المرض، الشفاء والمعالِج بحسب القديس يوحنا السلمي

المرض، الشفاء والمعالِج بحسب القديس يوحنا السلمي

الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس

تعريب الأب أنطوان ملكي

يوجد اليوم كلام كثير عن شفاء الإنسان لأننا أدركنا أن الإنسان مريض من كوننا نعيش حياةً فردانية منفصلة عن الجماعة والحقيقة، مرغمين على العيش بحسب تسليم فقد ميزته الشركوية، حيث لا شركة ولا حفاظ على الشخص. طبيعياً، عندما نحكي عن المرض لا نعني الوجه العصبي ولا النفسي، لكننا نعني المرض كفقدان لمعنى الحياة الحقيقي. إنه مرض وجودي بالدرجة الأولى.

تسعى الكنيسة الأرثوذكسية إلى شفاء الشخصية المريضة وهذا بالواقع عمل اللاهوت الأرثوذكسي. نرى في النصوص الآبائية حقيقة أن اللاهوت الأرثوذكسي هو علم وطريق علاجيان: من جهة، لأن اللاهوتيين هم أولئك الذين اكتسبوا معرفة شخصية لله، ضمن إطار الإعلان، وهكذا شُفيت كل قوى نفسهم بنعمة الله. من جهة أخرى، لأن هؤلاء اللاهوتيين قد وجدوا معنى الحياة أي المعنى الحقيقي لوجودهم، فهم يساعدون الآخرين في رحلتهم على هذه الطريق، طريق التأله.

في محاولتنا لدراسة المشاكل البشرية نأتي إلى إدراك أن هذه المشاكل لاهوتية في العمق، لأنّ الإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله. هذا يعني أنّ الإنسان مخلوق من الله ليقيم معه علاقة ويحفظها، كما يقيم علاقة مع الناس الآخرين، ومع كل الخليقة. هذه العلاقة كانت ناجحة لأول المخلوقين من البشر، آدم وحواء، وبالتحديد لأنهما امتلكا نعمة الله. لكن عندما مرض عالم الإنسان الداخلي، وخسر الناس توجههم نحو الله وبالتالي خسروا نعمة الله، عندها انتفت هذه العلاقة الحية والمحيية. نتيجة هذا كان اعتلال كل علاقات الإنسان مع الله، مع أخيه الإنسان، مع الخليقة ومع نفسه. اختلت كل قوته الداخلية والخارجية. لم يعد يركّز على الله، وبالمقابل استبدله بنفسه. إن النفس، بعد انقطاعها عن كل هذه المؤثرات، صارت مستقلة، مما جعله مريضاً في الجوهر والحقيقة. وعليه، مفهوم الصحة في كل ما يلي هو علاقة حقيقية وصحيحة، بينما المرض هو قطع تلك العلاقة عند ابتعاد الإنسان عن حواره الأساسي مع الله، وأخيه الإنسان والخليقة وغرقه في حوار مأساوي مع نفسه.

وعلى سبيل المثال، يمكننا القول بأنّ، قبل السقوط، مركز الإنسان كان الله. نفسه كانت تتغذّى بنعمة الله وجسده بنفسه الممتلئة نعمة. هذا الأمر كانت له نتائجه على كل الخليقة، وبهذا المعنى كان الإنسان ملكاً عليها. لكن كل هذا التوازن تعكّر بالخطيئة. النفس، إذ توقفت عن التغذي من نعمة الله، صارت ترضع من الجد وهكذا تولّدت أهواؤها (الأنانية، الغرور، الكراهية وغيرها). الجسد، إذ توقف عن التغذّي من النفس، صار يرضع من الخليقة المادية. وبالتالي وُجدت الأهواء الجسدية (الشراهة، نزعة التملّك، شهوات السد وغيرها). في هذه الحالة صارت الطبيعة تتعذّب وتُنتَهَك لأنها، بدل أن تتلقى نعمة الله من خلال الزجاج النقي أي النوس، صارت معرضة للعنف على يد الإنسان، لأن ما يريده منها هو إشباع رغباته. وهكذا، وُجدت المشاكل البيئية. بعد السقوط، نجد انقلاباً كاملاً في علاقة الإنسان بالله وبغيره من الناس وبالخليقة. هذا يسمّى مرضاً لا بل مرضاً خطيراً. إن الشفاء، كما يُرى في التقليد الأرثوذكسي، هو إعادة التوجيه المناسبة لهذه العلاقات، إعادة بناء الوجود البشري بطريقة يعود فيها الله إلى مركز الإنسان وتعود نفس الإنسان لتتغذّى من الله. عندما يحدث هذا تنتقل النعمة الإلهية إلى الجسد ومن هناك تُبَث إلى كل الخليقة غير العاقلة.

على ضوء هذا، مشاكل الإنسان ليست نفسية ولا اجتماعية ولا بيئية، بل هي مشاكل علاقات ومسؤولية كونية. إنها مشاكل وجودية تتعلّق بكيان الإنسان ووجوده. ضمن هذا الإطار، نتحدث عن مرض الإنسان وشفائه في الكنيسة وعن اللاهوت كعلم علاجي. لا ترفض الكنيسة الأرثوذكسية العلم الطبّي بل بالعكس هي تقبل الطب وتستعمله في كثير من الحالات. في الوقت نفسه، هي تنظر إلى البعد الوجود لمشاكل الإنسان وتحاول أن تعيد الإنسان إلى منظاره الصحيح وإلى توجهه الوجودي الأصلي. مع هذا، مكننا الحديث عن طب نفسي روحي عن أسس للتركيب النفسي ولكن ليس عن تحليل نفسي. من هذه النقطة، فقد يكون البعض مريضاً من منظار لاهوتي، فيما هو صحيح من وجهة نظر الطب النفسي,

قديسو الكنيسة عملوا أيضاً ضمن هذا الإطار. من بينهم القديس يوحنا السلمي كاتب سلم الفضائل الشهير الذي يحمل هذا الاسم لأنه يحكي عن السلم الذي يسلكه الإنسان في صعوده نحو الله. هو الصعود هو بالحقيقة هو إعادة توجيه لعلاقة  الإنسان بالله وبالخليقة وبشكل طبيعي مع ذاته. كل ما يتبع يجب وضعه ضمن هذا الإطار الأساسي.

1. شخصية القديس يوحنا السينائي

عاش القديس يوحنّا السلّمي في منطقة جبل سيناء في القرن السادس. صار راهباً في السادة عشرة من عمره ومن بعدها عاش حياة نسكية صارمة. صار في أواخر حياته أباً لدير القديسة كاترينا، لكنه في النهاية انسحب إلى الصحراء التي أحبّها كثيراً خلال حياته.

يعطينا كاتب سيرة القديس يوحنّا بعض المعلومات حول حياته. إنه يقدّم لنا بالدرجة الأولى كيف أثبت يوحنا أنه موسى ثانٍ قاد الإسرائيليين الجدد من أرض العبودية إلى أرض الميعاد. بصومه سحق قرون التكبّر والمجد الباطل، أي هذه الأهواء التي يصعب تمييزها على المرء المقيّد بالانشغالات العالمية. ببلوغه سكون النوس والجسد، أطفأ لهيب أتون الشهوة الجسدية. بنعمة الله وجهاده الشخصي تحرر من العبودية للأصنام. لقد أقام نفسه من الموت الذي تهددها. بإماتته كل تعلّق وبتثبيته إدراكه على الحقائق السماوية غير المادية، تمكّن من قطع رباطات الحزن. لقد شُفي كلياً من العُجب والغرور.

واضح هنا أن القديس يوحنا السينائي قام بجهد شخصي عظيم ليكسب حرية نفسه وانعتاقه من استبداد الحواس والمادي، حتى تتمكن كل ملكاته من العمل بحسب الطبيعة وحتى لأن تتمدد إلى ما فوق الطبيعة. لقد تحرّر نوسه ليس فقط من سلطة الأهواء بل أيضاً من الخوف من الموت.

بالواقع، لقد أثبت أن هدوئية النوس تطهره من التأثيرات الخارجية المختلفة، ومن ثم يصبح الإنسان مستبصراً وحكيماً وقادراً على استيعاب المسائل التي عند الآخرين وفي العالم. عندما يتحقق هذا، يجد النوس المتطهر نفسَه في بعد آخر ويرى الأمور بوضوح. تماماً كما أن الأدوات الطبية الأخرى تشخّص أمراض الجسد، كذلك نوس القديس يرى الحالة التي في عمق النفس. إنه يمتلك إدراكاً اختراقياً عظيماً لكن معه رقة. ومع أنه يسبر ويرى أعماق الكائن، بنعمة الله، لكنه يضمّ الإنسان بحنان ومحبة. على هذه النقطة، يمكن بشكل أو بآخر، قراءة قول العهد القديم بشكل عملي: “وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرفّ على وجه المياه” (تكوين 2:1) . العمق أو اللجة هو قلب الإنسان المريض، ومع هذا فإن روح الله يتحرّك فوقه بحنان ومحبة لكي يشكّل خليقة جديدة.

إن العائق الأكبر أمام شفاء الإنسان هو تشوش النوس بأصنام الأهواء والأشكال الخارجية. في هذه الحالة، يرى الإنسان الأمور من خلال منشور مجزّأ، وبالطبع يعجز عن مساعدة الناس المجروحين ويبحث عن الحقيقة والحرية.

لقد اكتسب القديس يوحنا السلمي هذا النوس المتطهر، ليس بالدرس في مراكز تعليمية كيرة، بل بالتعلّم من هدوء الصحراء، حيث تعوي الأهواء بشكل خاص وتسعى إلى تدمير الإنسان الكامل. لقد أصبح نوسه إلهياً ومشابهاً لله. وهكذا، أصبح القديس يوحنا الرجل البارز الذي أنشأه الله وجدده الروح القدس في المسيح يسوع. لم ينقل لنا في ما كتب المعرفة البشرية والأفكار الحكيمة بل كيانه الحقيقي ولهذا السبب صارت كلماته مزيلة للنقمة وعلاجية وفي الوقت نفسه معاصرة.

سلم القديس يوحنا هو استمرار للنصوص الهدوئية لآباء الكنيسة العظماء، وهو التحليل النظامي الأول لمرض النفس البشرية واستعادة الإنسان لصحته الروحية. إنه تحليل نفسي باهر وناجح لشخصية الإنسان. على المثال نفسه، هذا العمل الأساسي أكمله آباء الكنيسة الآخرون لاحقاً، مثل القديس مكسيموس المعترف والقديس غريغوريوس بالاماس. لقد شرّح آباء الكنيسة، والقديس يوحنا السلمي بشكل خاص، النفس البشرية بهدف توحيدها، قبل قرون من وجود النظريات المختلفة لأطباء النفس ومحلليها وعلمائها. هذا البحث محصور بعمق النفس، إذ بالواقع، عندما يفهم الإنسان مسألة الشر الذي في كيانه الخاص، بدون أن يحاول إخفاءها، يدرك عندها كل قوة الشر المنتشرة في الخليقة.

سوف نتابع لندرس بعض الاقتباسات وليس لنقدّم تحليلاً كاملاً من رسالته المعروفة “إلى الراعي”.[ 1 ]

2. الكاهن كمعالج

في كتاب سابق لي، حكيت فيه عن الطب النفسي الأرثوذكسي، حاولت أولاً أن أشرح أن المسيحية، وبوجه خاص اللاهوت الأرثوذكسي، هي علم علاجي. لقد فعلت هذا قبل معالجة ماهية المرض وقبل تحليل مرض وشفاء النفس والنوس والعقل والأهواء وغيرها. بالواقع لقد استهللت هذا الكتاب بفصل عن الكاهن كمعالج. بعض القرّاء رأوا أنّه كان ينبغي بي أن أكتب أولاً كل شيء عن الشفاء ومن ثم عن الذين يشفون.

إنّ لإعطاء المركز الأول للكاهن كمعالج أهميته، إذ وحده الإكليريكي الذي اكتسب السعة الضرورية من المعرفة والخبرة، وخاصة من الصحة الوجودية الذاتية، قادر على أن يضع تعاليم الآباء القديسين في الممارسة الصحيحة ويشفي الناس. إن لم يكن كاهن ما معالِجاً، كما يتطلّب التقليد المقدّس، فهو يثبت أنّه قاسٍ وبلا إحساس، حتى ولو استعمل تعاليم آباء الكنيسة. هذا يعني أنه تحت اسم العلاج أو الخلاص أو الهدوئية يمكن لهذا الكاهن أن يقود الناس إلى الموت الروحي. بكلام آخر، عندما يقوم كاهن عاجز وغير مستحق باستعمال النصوص الكتابية والآبائية، يحوّل هذه النصوص إلى مجرد كلمات إيديولوجية وحتّى أخلاقية بنتائج فظيعة على نفس الإنسان ودعوته العلوية. إن استعمالاً سيئاً من هذا النوع لا يمجّد الإنسان المجرّب بالأهواء ولا يقوده إلى اكتشاف العلاقة الأصلية الصحيحة.

بحسب القديس يوحنّا السينائي، على الكاهن الذي يتعهّد علاج الإنسان أن يكون قادراً على ذلك. عليه أن يمتلك الصفات المناسبة وأن يكون قد اكتسب خبرة حياة مع الله ضمن حدود حياته الشخصية. بالواقع، في تفحصه أولاً لعمل الكاهن يستعمل القديس يوحنا تعابير كثيرة، مستخدماً صوراً من عصره. فالكاهن الذي يقود الناس هو راعٍ وربّان وطبيب ومعلّم (2، 3، 4، 5). هذه الصفات الأربع مترابطة فيما بينها، لأنها جميعاً مرتبطة بالوظائف المختلفة التي ينبغي بالكاهن أن يأخذها على عاتقه. إذاً هناك اتصال متبادل بين هذه الصفات الأربع.

يستلزم الراعي قطيعاً عقلياً ينبغي تغذيته بشكل مناسب. يستلزم الربّان سفينة وبحارين وبحراً فيما يستلزم الطبيب مرضى، ويستلزم المعلم أشخاصاً غير متعلمين ينبغي تعليمهم. وهكذا، الراعي هو الوقت نفسه ربّان وطبيب وعلّم. الربّان هو راعٍ وطبيب ومعلم. الطبيب هو راعٍ وربّان ومعلّم. والمعلم هو كل ما ذُكر سابقاً.

على أي حال، في استعماله هذه الصور، يقارن القديس يوحنا السينائي أيضاً بين الفضائل التي ينبغي أن تميّز الكاهن. على الراعي أن يسعى ليشفي قطيعه “بالصدق والالتزام والصلاة” (2). الربّلن هو الرجل الذي “حصّل قوة نوسية من الله ومن جهاده” (3). الطبيب هو الرجل الخالي من أمراض الجسد والنفس والذي لا يحتاج لدواء لصحته (4). المعلّم هو مَن تلقّى “لوحة نوسية من المعرفة”، ونوراً به يستغني عن الكتب الأخرى لأنه، بحسب القديس يوحنا، من غير اللائق بالمعلم أن يعلّم من النسخ والمخطوطات كما أنه من غير اللائق بالرسّام أن يعلم من لوحات قديمة (5).

هذه الصور كما الصفات المرتبطة بها استُعملَت لتظهر أن الكاهن-المعالج يجب أن يكون هو نفسه صحيحاً لأقصى درجة ممكنة. أي أنه ينبغي به أن يكون لديه التوجّه الصحيح، وأن يكون قد اكتسب شخصياً الخبرة الحية والمعرفة الإلهية، حتى يتمكن من مساعدة الناس من خلال خبرته. ليس الأمر موضوع مَلَكة بشرية أو عمل بشر، لكنه عمل بشري-إلهي، ومعونة من عند الله تعمل من خلال الكاهن المعالِج.

في أي حال، علينا أن نشدد هنا على أن الصورة التي تهيمن من بين كل هذه الصور عبر كتاب “السلّم” وتحديداً الفصول التي نحن بصدد درسها، هي صورة الطبيب. على الكاهن أن يشفي الناس المرضى، وهذا لا يتم بالمعرفة البشرية لكن بقوة الله وتعاون الكاهن معها. لهذا السبب يقول القديس يوحنا “” (7). بعض الرجال “أقدم على قيادة النفوس حماقة غير حاسبين حساباً لعبء هذه المسؤولية” (56)، وبالتأكيد بدون خبرة شخصية. عبر نص القديس يوحنا بكامله، إننا نجد الصفات والمواهب التي يجب أن يتحلّى بها الكاهن المعالج. سوف نشير إلى بعضها.

قبل كل شيء، إنّه يشدد على أن العلاج ليس وظيفة بشرية بل إلهية وهي بالطبع تعمل بالقبول المُعطى بحرية لهذا العمل من الكاهن نفسه. إنه يقول أن هناك بعض الذين “نالوا من الله جلياً القدرة على تعهد الآخرين” لكنهم بالرغم من ذلك لا يقومون بهذا العمل بشكر لخلاص أخيهم (59). ومع ذلك، وحده الذي اختبر رحمة الله قادر على “أن يعزّي المتألمين خفية دون أن يدروا” (53). بما أن شفاء الإنسان لا يتم بوسائل بشرية بل بنعمة الله، لهذا غالباً ما يبقى مخبأً وغير ملحوظ. من الله، يصبح الكاهن الخادم الروحي للنفوس (71).

إن لوصول الله إلى قلب الإنسان، وبالتحديد قلب الكاهن المعالج، علامات جلية، لأن الإنسان ولد ثانية روحياً. المواهب الروحية هي أحد التعابير التي تظهر هذه الولادة الجديدة، وهي مواهب بالحقيقة من الروح القدس. من بين هذه المواهب حتى يصبح الكاهن قادراً على رؤية المرض وشفائه: التواضع الذي في أي حال إذا تخطّى حده صار عثرة للخاضعين للعلاج (85)، الصبر باستثناء حالة عدم الطاعة (84)، عدم الخوف من الموت إذ “عار على الراعي أن يخشى الموت ما دام تعريف الطاعة التحرر من خشية الموت” (67)، الخضوع للعمل والتخلي من أجل الخاضعين للعلاج (76)، الهدوء الداخلي (88).

إن العطية الروحية التي هي فوق كل العطايا الأخرى هي المحبة، لأن “المحبة هي التي تُظهر الراعي الحقيقي لأن الراعي العظيم بدافع المحبة شاء أن يُصلَب” (28). فوق هذا، كل هذا ضروري بالضبط لأنّ أولئك الذين يتعلّمون ويشفون يرون الراعي كطبيبهم “ومثال يُحتَذى” وكل ما يقوله ويفعله “قياساً يُعمل بمقتضاه” (27).

يتكلم القديس يوحنا السينائي في نصه كثيراً عن اللاهوى “طوبى للأطباء الذين لا يتعرّضون لغثيان النفس وللرؤساء الذين انعتقوا من الأهواء” (15). إنه أمر مريع بالنسبة لطبيب الجسد أن يحسّ ميلاً نحو المرض عندما يعالج جراح الجسد، وأكثر فظاعة أن يحاول الطبيب الروحي أن يحاول شفاء جروح النفس فيما هو في الهوى. بالحقيقة، مَن تطهّر فعلاً من الهوى سوف يحكم الناس كقاضٍ إلهي (96). على الإكليريكي أن يكون بلا هوى لأنه “خطر أن يسوس إنسان خاضع للأهواء أناساً خاضعين للأهواء أيضاً” كما أنه لا يوافق أن برعى ذئب غنماً (49). بالطبع يؤكد القديس يوحنا السينائي أن الله يقوم بالمعجزات عبر شيوخ بسيطين ومتحررين من الهوى (41-51)، بالضبط لأنه يعرف أن العلاج ليس مجرد عمل من أعمال الإنسان بل نتيجة قوة الله وتعاون الإنسان.

عندما يتكلّم القديس يوحنا السينائي عن اللاهوى، إنه لا يعني عزل الجزء الأهوائي من النفس، كما يؤمن الرواقيون وغيرهم من الديانات الشرقية، بل بالأحرى إنه يعني تجلّي قوى النفس. أي بكلام آخر، في حالة اللاهوى، قوى النفس، العقل والقوى الغضبية والشهوانية، تتحرّك نحو الله وبالله تحب كل الخليقة. إذاً، ليس الموضوع قضية جمود بل حركة لكل القوى النفسية الجسدية.

اللاهوى ضروري للمعالِج لأنه به يكتسب القدرة على الحكم والشفاء بتمييز ونية حسنة وذاك لأن حواس نفسه منظمة “لتمييز ما هو جد وما هو ضار وما هو معتدل”. أي بكلام آخر، هو يعرف متى تأتي قوة ما من الله ومتى تأتي من الشرير، لأنه قادر على التمييز بين المخلوق وغير المخلوق ما يؤدي إلى نتائج علاجية عند مرضاه. الكاهن يعرف أيضاً متى يتّضع أمام الشخص الذي يعالجه ومتى لا، “لا يضعنّ الرئيس نفسه كل حين بغباوة ولا يرفعنّ ذاته دوماً بحماقة” (41). هذا بالطبع يتأثر بوضع المريض وحالته. البعض يستفيد من اتضاع الراعي بينما يتأذى آخرون منه. سوف نرى أهمية موهبة التمييز لاحقاً، عندما نتفحّص طرق العلاج التي يستعملها المعالِج ذو التمييز.

يكيّف القديس يوحنا وضع الكاهن المعالِج وموقعه بموقع موسى ووضعه. كما أنّ موسى رأى الرب، فارتفع إلى أعلى الثاوريا وتحدّث مع الله، من ثمّ تابع ليقود شعب إسرائيل من أرض مصر إلى أرض الميعاد مواجهاً تشكيلة من المشاكل والتجارب المتنوعة، كذلك هو المعالِج. عليه أن يكون في حاة موسى الروحية وبإشرافه يقود شعب الله إلى أرض الميعاد (100).

تذكّرنا الصورة والتكيّف بحقيقة أن هدف العلاج الأرثوذكسي هو تألّه الإنسان وليس التوزان النفسي. هذا العمل إذاً يقوم به الكاهن الذي اتحدت نفسه مع الله وبالتالي “لا يعوزها كلام غيرها لتتعلّم. فإنّ هذه النفس المغبوطة تحمل في ذاتها الكلمة الأزلي وهو معلمها ومرشدها ونورها” (100). لا يعمل نص القديس يوحنا على المستوى البشري بل الإلهي. إنه لا يشير إلى حالات من المرض النفسي أو العصبي، لكن إلى أناس يريدون أن يحققوا واقعهم الداخلي، الذي هو إنجاز هدف خلقهم، أي التأله. إن هذا الهدف هو بالضبط ما يشكّل جوع الإنسان وعطشه الأكبر.

3. الإنسان كحامل للمرض

إن مرض الجسد والنفس ووجود الكاهن المعالِج يفترضان مقدماً بدون شك شخصاً مريضاً. في ما سبق حددنا نوعاً ما مرض النفس بالإستناد إلى كتاب السلم وخاصة الفصل المعنون “إلى الراعي”. فالقديس يوحنا يناقش أمر المرض بشكل واسع وعلينا أن ننظر إلى بعض الصفات المميزة للشخص المريض.

كما ذكرنا سابقاً، يقتضي المرض الروحي فقدان الشركة مع الله، اضطراب العلاقة مع الله ومع الناس الباقين كما مع كل الخليقة، وبالطبع تشويش قوى الإنسان الروحية والجسدية واعتلالها. إذاً، يرى الإنسان المريض مرضه في علاقته مع الله والآخرين ويحدد الله بفكرة أو خيال. فعندما يستعمل الآخرين لكسبه الذاتي أو وعندما ينتهك حرمة الطبيعة يظهر مرضه الروحي.

بالإشارة إلى الإنسان هنا نعن بالتأكيد كل تركيبته، كل مادة التكوين البشري، جسداً ونفساً، لأن الإنسان مصنوع من الاثنين، لا روحاً فقط ولا جسداً فقط. هذا يعني أن هناك تفاعل متبادَل وتأثير بين الجسد والروح. أمراض الروح تنعكس أيضاً في الجسد المنضم إليها، كما أن المرض الجسدي له أو يمكن أن يكون له نتائج على عالم الإنسان النفسي. إذاً، عندما يعجز الانسان عن إشباع جوعه الوجودي، الذي هو تحقيق المعنى الأعمق لوجود، عندها كل كيانه يعاني ويتألم، حتى الجسد. التذمر، الاستياء، الكرب، القلق واليأس كلها مرتبطة بلنقص في تحقيق بحث الإنسان الروحي.

يشير القديس يوحنا إلى عبودية الإنسان الروحية. الله خلقه حراً مع هذا فقد سقط في العبودية الروحية للشيطان والخطيئة والموت. إن هذه الحالة مشابهة لحالة الإسرائيليين الذين كان يحكمهم فرعون وكانوا بحاجة للتحرر. في مقارنته الممتازة لحالة الإنسان المجروح بحالة الإسرائيليين الذين كانوا في أرض مصر، يتكلّم عن “غشاء الوضع البشري الفاني”. بالواقع يخفي الإنسان في ذاته هوى عازلاً وإهانة من “صنع اللبن”، لأن الإنسان سقط من الأمور المتعالية التي خُلق لها إلى أمور أرضية متواضعة. كما يشير أيضاً إلى البحر الأحمر المحرق من الحرارة الجسدية ويركّز على “الظلمات والغيوم والعواصف” و “عتمات الجهل الثلاث” وعن “البحر الميت المالح” وعن كل تجارب الصحراء (100). غالباً ما يجد الإنسان نفسه في حياته أمام ظروف مأساوية تأسره في يأس عظيم، وكل هذا يأتي من فراغه الوجودي ومن ندمه، ومن مسألة الموت في كل معاني الكلمة.

كل هذا يجعل الانسان يعاني العذابات ويحس بالأذى. إنه يشعر بالمرض يجيش بكل كيانه. أيضاً بالنظر إلى هذا من خلال صورة القطيع، يعتبر الإنسان نفسه “قطيعاً متألماً” (7). إن الأمر هو عن “نفوس ملوثة ولا سيما أجساد ملوثة” (72) تحتاج إلى تطهير، وعن أناس سقطوا إلى الأرض بدلاً من الارتفاع نحو الأعلى. هؤلاء الأشخاص ليسوا مكتفين بالتعليم البشري الصرف بل يحتاجون إلى ما هو أكثر إلهية. بالواقع “يتعذر على اللاصقين بالأرض أن يداووا الآخرين” (8). هناك معلمون ومعالجون نفسيون ذوي منظار بشري لا يستطيعون أن يريحوا إنساناً مجروحاً نفساً وجسداً “من الصدأ” (54)، لأنّه “متعب” (76) ويعاني من هذا. يرى الناس جبنهم وعجزهم (41) في دواخلهم، ويحسون أنهم مثل “أولاد صغار” وضعفاء وهكذا يقعون في الحزن والكرب (93).

يظهر كل هذا الوصف إنساناً معذباً ومجرحاً بالكامل. لا يشير القديس يوحنا هنا إلى حالات الأشخاص الذين يحسون أنهم فشلوا في حياتهم. هؤلاء هم أشخاص لم ينجزوا هدفهم الأرضي لأنهم لم يحققوا غرضهم الوجودي الأعمق، أي علاقتهم وشركتهم مع الله، التي هي المحرّك الأقصى لقضيتهم.

ومع ذلك، فالقديس يوحنا السينائي لا يحصر نفسه فقط بالوصف العمومي، بل مضي ليقوم بتشخيصات أكثر عمقاً. إنه يرى الإنسان يتألّم في أعماق نفسه. هذه ليست أمور سطحية أو أمراض جسدية بل هي داخلية تجري في أعماق النفس. وهكذا هو يسمّي الإنسان “سقيم النفس” (80)، ومصاباً بالنعاس الروحي (8). الإنسان يحس بثقل عظيم من الأفكار داخل نفسه (93) يعذبه وهو يطلب العتق بشكل يائس.

من جديد، علينا أن نكرر أن الحديث ليس عن حالات مجردة خارجية بل عن تلوث داخلي محدد. يعرف الإنسان بشكل كامل هذه الحالة لكنه لا يستطيع تحرير نفسه. إنه بحاجة لتدخل الله بمعونة معالج روحي مختبر. وهكذا يكتب القديس يوحنا: “الذين يمنعهم الخجل عن مراجعة الطبيب فكثيراً ما يصابون بالغرغرينة فيموتون” (39).

يخجل الناس في هذه الفئة من كشف جراح نفسهم ولهذا يصلون إلى نقطة حيث تنتن جراحهم وتقودهم إلى الموت الروحي. لهذا السبب، على المرضى أن يبلغوا نقطة البوح بجراحهم إلى طبيب خبير يثقون به (39). الحقيقة هي أن في داخل النفس يوجد “نجاسة غير مخفية” لا تُرى بالعين المجردة. هذه دنس داخلي مؤلف من الأعضاء الفاسدين المحتاجين للشفاء والتطهير (12).

هذا يعني أن الإنسان لا يحتاج لمعالجه من أجل الدعم النفسي أو لشفاء سطحي. إنه لا يحتاج كاهنه لكي يرضي حاجاته الدينية، بل هو يحتاجه ليتدخل في عالمه الداخلي، بتمييز ومحبة، بنعمة الله وحريته، لكي يشفي دنس الإنسان عبر تحرره من الغثيان. هذا المعالج معتاد في حياته العادية من خلال تطهره على أن “يغسل ويطهّر أوساخ الآخرين بفضل النقاوة الممنوحة له من الله، ويقدّم إليه كقربان لا عيب فيه ما كان قبلاً دنساً” (78). المعالج الروحي يقارب الإنسان المجروح باهتمام وحساسية وحنان وملء المحبة والمعرفة، ولكن بالدرجة الأولى بنعمة الله. إنه لا يلهو بخلاص الآخرين ولا هو يهزأ من الذي يقصده طالباً التطهر من أهوائه الداخلية.

بالحقيقة أنه أمر بغيض أن يقارب الإنسان الكاهنَ ليرضي كل هذا الجوع الداخلي وليطهّر قروح نفسه ويتخلّص من كل ذلك الدنس الداخلي، فيرى مع ذلك نمواً لأهوائه الداخلية وتراكماً لفراغه الوجودي وكرباً وموتاً روحياً يكتنفه أكثر من قبل. عندها يزداد جرحه عمقاً ويتعذّب أكثر بكثير.

4. وسائل العلاج

بعد أن رأينا مَن هو المعالِج ومَن هو المريض، سوف ندرس وسائل العلاج التي يستعملها الله من خلال معالِج قادر.

في الجزء السابق شرحنا باقتضاب الحاجة إلى كاهن معالِج سبق له أن شفى نفسه. لأن العلاج والمعالجين وطرق العلاج تتطابق، لا مجال من العودة إلى بعض النقاط التي سبق قولها.

أولاً، إن الحاجة لأب روحي معالج أصيل هي لاستعمال طريقة علاجية مناسبة وتطبيقها. على المعالج أن يكون عارفاً لنفسه جيداً ومحباً بلا حدود للمسيحي المعالَج. على المسيحي أن يكون سعيداً لمجرد وجود طبيبه الروحي. في النهاية، وجود المعالج ينفع الإنسان المريض روحياً. يكتب القديس يوحنا “يشعر المريض بالفرح لمجرد رؤية الطبيب وإن لم يحظَ منه بأي تسكين لأوجاعه” (13). بالتأكيد، هذا يعني أنه على المعالِج أن يمتلك معرفة واضحة بأن “الخطيئة التي قد يرتكبها في فكره” هي أسوأ من عمل التلميذ الفعلي (60). هذه المعرفة سوف تجعله كثير التمييز والمعالجة، وإلاّ فسوف يضع أحمالاً ثقيلة.

ليس من السهل كثيراً شفاء المريض. تحتاج العملية للمحبة والشجاعة الروحية، لأن خلالها تنشأ مشاكل كثيرة تتطلب تدبيراً دقيقاً، وهذا بالضط لأننا نتعامل مع عالم نفس الإنسان المرهَف مع كل تفاصيله الرقيقة. لهذا السبب على المعالِج أن يظهر “غيرة ومحبة وورعاً وعناية وكل تضرعاته أمام الله في سبيل مَن ضلّ كلياً وانكسر” (79). هنا سمي المريض “مكسوراً” وهذا ما يتطلب تدخلاً دقيقاً. على المعالِج أن يكون قادراً ليس فقط على كشف الجروح والرضوض الخارجية  بل أيضاً سبب مرض النفس الذي لا يظهر للخارج (22). إلى هذا، عليه أن يميّز الذين يأتون إليه بحسب رغباتهم أي ما الذي يطلبونه من الطبيب. على العلاج الروحي أن يبدأ عندما يميز بين “الأبناء الحقيقيين”، “الأبناء من زواج ثانٍ” و”أبناء بنات العبيد” و”وغيرهم من المنبوذين”. هذا لأنهم لا يتساوون بالمرض وبالتالي لا يطلبون الشيء نفسه. بالنتيجة، هذا التمييز ضروري جداً للعلاج الذي يتم في عالم النفس. إلى هذا، كما يشدد القديس يوحنا، مطلوب من الأب الروحي المعالِج بذل الذات الكامل لهذه المهمة العالية المسؤولية، أي “بذل النفس لمنفعة نفس الأخ في كل الأمور”. هذه المسؤولية مرتبطة بخطايا الماضي وأحياناً بخطايا المستقبل (57). وهكذا، من هذه المهمة وحدها يمكننا أن نرى أن على المعالج أن يمتلك قوة روحية. “تعوزنا القوة الروحية قبل كل شيء، أيها الأب المحترم،  حتى نستطيع أن نأخذ باليد ونستخلص من حشود الأفكار… وإن كان البعض لا يزالون أطفالاً صغاراً أو ضعفاء جداً فلا بد من رفعهم على الأكتاف” (93). وهكذا، عمل الأبوة الروحية عظيم الشأن، دقيق، حاسم، مسؤول، ومضحي.

بالتأكيد، علينا أن نتذكر هنا أن عمل الأب الروحي والمعالج ليس مركزاً على الإنسان ولا يتم منعزلاً في خواء. إنه يتطلب تناسق النعمة الإلهية مع طاعة المريض بحرية. إن شفاء الجراح الروحية لا يتم بالمشورة البشرية ولا بطرق المختبرات لكن بقوة الله وتعاون الأب الروحي المعالِج. من خلال كامل نص القديس يوحنا نجد تعليماً عن الصلاة وتدخل الله وحقيقة أن المعالج الحقيقي هو الله نفسه لأن كل البشر هم أبناء الله. النموذج الأول للبشر هو الله وليس إنساناً. ومع هذا، لا يعمل الله ولا يستطيع أن يساعد الأب الروحي القادر والمختبر إذا لم يتعاون المريض. في علم العلاج الأرثوذكسي، يتم كل شيء بالقبول الحر وليس بالقوة أو الإكراه.

يعطي القديس يوحنا في كل مكان من نصه قيمة كبيرة للشخص المريض ولتقدمه بإرادة كاملة وبدون ضغط عليه وبالواقع لتعاونه الكامل في علاجه. حرية الإنسان لا تُنتَهَك. يشير في مكان ما إلى أنه كم أن الربان لا يستطيع أن يخلّص سفينته بدون تعاون البحارة، كذلك الطبيب لا يستطيع أن يشفي إنساناً “ما لم يأتِ هذا إليه ويُظهر له جراحه بثقة تامة” (36). هذا يعني أن العناصر التالية مطلوبة للشفاء: ثقة المريض بمعالجه، قبوله الحر بمساعدته وبالتالي كشفه الطوعي لجراحه. هناك حاجة مطلقة للحركة الحرة في كل عمله لأن خلاص المرضى الذين لا يتعاونون مستحيل بالحقيقة (64). وفي الوقت نفسه هناك حالة أن يحس المريض بجبنه وضعفه وبالتالي يسلّم إرادته بالكامل للمعالِج المختبر، لكن في هذه الحالة تقديمه ذاته يجب أن يكون شرطاً مسبقاً. الناس في هذه الفئة يسعون إلى أن يُشفوا برضاهم وبالتالي في هذه الحالة يرجو القديس من الأطباء أن يستجيبوا لرغبتهم (35). واضح هنا أنه لا يمكن تحقق العلاج بدون طاعة حرة ورغبة ذاتية عند الأبناء الروحيين ولهذا السبب “يُعرَف الولد الكريم النسب من تصرفه في غياب أبيه” (58). إلى هذا، عندما نتكلّم عن شفاء في التقليد الأرثوذكسي، نحن نعني التنظيم الصحيح لتركيبة الإنسان العضوية الروحية حتى لا يعود المعالجة والاعتماد المتكرران ضروريين. الإنسان متحرراً من العبودية التي خلقتها الأشياء والتي يفرضها عليه عالم الأهواء، يسافر على طريق  التقدم المستمر والارتفاع.

نتيجة أخرى لطاعة المريض الحرة تتعلق بطريقة اعترافه. بكلام آخر، وسيلة مهمة للعلاج هي سر الاعتراف الذي به يكشف المريض جراحه الداخلية بتسليمه الكامل. يشدد القديس يوحنا على هذه النقطة بشكل خاص. نحن نعرف بالطبع أن هناك نوعان من الاعتراف: كشف جراح النفس حتى تتم المعالجة، وإفشاء الأفكار الداخلية حتى يكتسب المعترف توجيهاً روحياً.

يقدم القديس بعض المعلومات المهمة جداً عن الاعتراف. أولاً، الاعتراف يجب أن يتم بصدق مطلق وحرية، حتى يُتوصل إلى المساعدة الفعالة. هذا لأنه، كما ينصح القديس، حتى ولو كان للأب الروحي المعالج موهبة الرؤيا وبالتالي يتعرّف على جراح النفس، عليه أن يمسك عن كشفها وترك المتقدم إلى الاعتراف يسردها بنفسه. في هكذا حالة، “حثهم على الاعتراف بأقوال مبهمة”. إلى هذا، يجب أن يكون هناك متابعة بعد الاعتراف، إذ كما يعلّم القديس يوحنّا، علينا أن أن نعطيهم انفتاحاً أكبر بعد الاعتراف. في أي حال، على الأب الروحي المعالج أن يثبت نفسه كمثال للتواضع للمرضى، ما خلا في حالة عدم الطاعة حيث عليه أن يعلمهم أن يحترموه (84). يظهر النص بوضوح أن الاعتراف ليس أمراً سهلاً، لكنه يتم بشكل مناسب ضمن إطار الحرية والمحبة والتواضع والاحترام والصبر. هذا يتم لأن كشف العالم الداخلي يتطلب إرشاداً دقيقاً ويشكّل مهمة صعبة جداً ومرهقة.

يعطي القديس يحنا توجيهات مفصلة أخرى حول هذه المهمة الثاقبة الذهن والمسؤولة. يجب حض المريض على أن يكشف بدقة نوع العمل الأثيم الذي وقع به. هذا مطلوب لسببين: أولاً، حتى لا يصبح وقحاً أمام معالجه، وثانياً حتى يستحث محبة معالجه عبر معرفته للخطايا التي حدثت (45). واضح هنا أن العلاقة بين المعالج والمريض مرهفة فعلاً وهناك إمكانية فقدان القدرة على فتح حوار بين الاثنين عبر إما وقاحة المريض أو قلة المحبة عند المعالج. إذاً، هناك حاجة لكثير من الاهتمام لضمان احترام المعالَج ومحبة المعالِج.

مع هذا، حتى الاعتراف بالجراح الداخلية “بحسب نوعها” له حدوده. على المعالج ألاّ يقتحم الحالة الداخلية لشخصية المريض بالقوة أو العنف. ليس هناك أي حاجة لفحص مفصّل لشخصية المريض. يقول القديس يوحنا “احترز ألاّ تكون فاحصاً دقيقاً عن أصغر المخالفات: فلن تكون إذ ذاك متشبّهاً بالله” (51). الله لا يلغي حرية الإنسان ولا يمتحن تفاصيل حياته الشخصية. وبالتالي، على المعالِج أن يعمل ضمن هذا الإطار، وإلاّ فهو يخاطر بفقدان تشبهه بالله وقيامه بعمله على ما يرضي الله. إلى هذا، على المريض روحياً ألاّ يعطي تفاصيل عن خطاياه الجسدية كما في الحالات الأخرى. بكلام آخر، التفاصيل مطلوبة بالنسبة للخطايا الأخرى كونها ضرورية لفهم الأسباب الداخلية للسلوك، أمّا بالنسبة للخطايا الجسدية فعلى المرء أن يكون متحفظاً: “حثّْ أبناءك على ألاّ يعترفوا تفصيلاً بخطايا الزنى، بل أن يتذكروا ليلاً نهاراً بالتفصيل بقية الخطايا كافة” (62). يقول القديس يوحنّا هذا الكلام لأن المريض، في إعطاء للشرح المفصّل، ينغمس في التذكر ويسر به، فتستيقظ في عالمه الداخلي عملات وتغيرات رفيعة.

يشدد المعالِج بشكل طبيعي على سريّة الاعتراف لأنه ممنوع من إفشاء اعتراف أي شخص للآخرين. على المعالِج ألاّ يفضح كشف النفس الذي أعطاه إياه الآخرون. إنه يضع هذا الأمر على المستوى اللاهوتي والفدائي. بكلام آخر، يشرح أنه من جهة، لا يكشف الله الاعتراف الذي يسمعه، ومن جهة أخرى، لأن إفشاء الاعتراف يخلق مشاكل كبيرة لخلاص أصحاب العلاقة إذ يجعلهم في حالة من “الداء العادم الشفاء” (83).

علينا أن نتابع لتفحص الطرق التي يستعملها المعالج الجيد، لأن المتقدمين إلى الاعتراف مختلفون من حيث العمر الروحي ونمط الحياة ومرض النفس وغيرها. على المعالج ذي الخبرة أن يعرف كل هذا، إذ بغيره تتشوّه طريقة العلاج ونوعه وتبطل حرية الإنسان.

على المعالج أن يعرف في تطبيقه لأقوال الإنجيل “على مَن وكيف ومتى” (33). يلعب الوقت ونمط حياة الناس دوراً مهماً في طرقة علاجهم. على الراعي أن يكون مثل قائد يعرف بالتحديد قدرة ومستوى كل واحد من مأموريه لأن العمر الروحي يؤثر فالبعض بحاجة للجوامد والبعض الآخر للبن كونهم “في أوان التعزية” (55). يختلف البشر بأمور كثيرة لهذا على القائمين بهذه الخدمة المشابهة للشهادة، التي هي شفاء الإنسان، أن يأخذوا بعين الاعتبار مكان المرضى ودرجة تجددهم الروحي وعاداتهم (47). أصل البشر مختلف وبالتالي كل شخص بحاجة إلى معاملة مختلفة (44).

يلاحظ القديس يوحنا أن ليس على المعالِج أن يعمل دائماً بالعدل ولا اهتمامه دائماً بعمل العدل مهم، لأن ليس كل الأشخاص يحتملون بالقدر نفسه. وهو يقدم الطريقة التي بها شيخ حكيم وصاحب تمييز تعاطى مع حالة أخين اختلفا في ما بينهما. أحدهما كان مذنباً لكنه كان الأضعف فأعلنه الأب بريئاً. الآخر كان بريئاً لكن لكونه قوياً وشجاعاً أدانه كمذنب وهذا خشية أن كون الحكم العادل سبباً توسيع الصدع بينهما. بالطبع تكلّم مع كل منهما على انفراد وخاصة مع الذي كان مذنباً روحياً (80). يُلاحظ هنا أن معالجة الرجل لم تكن على أساس المحاكم وتسليم العدالة بل على أساس العلم العلاجي أي قدرات كل منهما.

المعرفة التي ينبغي بالمعالِج امتلاكها حتى يشفي أمراض نفوس الذين يقصدونه، ضرورية لأنها مرتبطة بالطرق العلاجية والطب الذي سوف نصفه. إنّها لا تتطلب تشخيصاً صحيحاً أو مجرد معرفة للصفات الخاصة لكل شخص، بل بالأحرى تتطلب الوصفة الصحيحة للأدوية. سوف نلقي نظرة على بعض الطرق العلاجية التي يستعملها طبيب النفوس كما يقدمها القديس يوحنا لنا.

إن وصف الدواء الروحي مرتبط بشدة بتألم قلب المعالج. أي أن الأب الروحي يشترك في ألم الأخ وحالته الروحية. على الأب أن “يكون ميالاً إلى كل واحد وشفوقاً عليه بحسب استحقاقه”. فالعلاج الفعّال يتمّ فقط في “قلب المتألم”. فألم الآخر يصبح ألمه وهو نفسه يعيش حالة المريض. ليست الحالة هنا من حالات الطب الموضوعي، بل حالة من الطب المشخصن. يتمّ التدخل الروحي بطريقة تغيّر الرهبان المخادعين إلى بسطاء وليس العكس (95). إنه يتطلّب حكمة وتمميزاً.

في نص رائع، يكيّف القديس يوحنا أدوات أطباء زمانه في معالجتهم للمرض الجسدي مع وسائل معالجة جراح النفس وأمراضها. على المعالِج الروحي أم يمتلك تنوعاً من الوسائل يماثل تنوع أمراض الناس. للأهواء الجسدية المنظورة يستعمل الضمادة. لمعالجة الأهواء الداخلية التي لا تُرى ولتطهير الحقل الداخلي يستعمل إكسيراً طبياً. لتطهير عين النفس يستعمل مرهماً، وللعمل الجراحي الذي يستدعي تطهير ما هو نتن يستعمل الموسى أو المبضع والسكين. إنه لا يكتفي، في أي حال، بمجرد الجراحة والأدوات المناسبة وبالتالي هو يستعمل أدوات وعلاجات متنوعة خلال العملية وبعدها. إنه يستعمل اسفنجة لإنعاش المريض بالكلمات الرقيقة اللطيفة البسيطة. أيضاً هو يستعمل مادة كاوية في اشتراطه قانوناً وتكفيراً من المحبة  لوقت محدد. وأيضاً إنه يستعمل مرهماً بتزويده بكلمات التعزية التي تريح المريض، وبالمسكِّن برفعه حمل تلميذه حتى يمتلك الأخير “عمى مقدساً” فلا يرى أعماله الحسنة. بالتأكيد هناك حالات حيث ينبغي بالمعالِج أن يستعمل السكين ليقطع عضواً منتناً لخير الإخوة الباقين (12).

واضح من وصف القديس يوحنا أن هناك تنوعاً من الأدوية والأدوات. إنه يتطلَب حيناً علاجاً، وأحياناً أخرى تفريغاً للنتانة، وأحياناً يحتاج إلى جراحة أو استئصال. في أي حال، ينبغي أن تتمّ العملية الجراحية بتمييز وبدون أذى للمريض.

على الدواء المُعطى لهذه النفوس المريضة أن يتلاءم مع حالتهم الروحية. ينصح القديس المعالِج بأن “يرقب ويكيّف الأدوية للسقماء حسبما يوافقهم”. فيجب أن يعزّي الذين خطئوا كثيراً حتى لا يقعوا في اليأس، أمّا المتكبر والأناني فالطريق الضيقة الكربة هي الدواء (35).

على المعالِج أن يصلي للبعض بيقظة كبيرة (9،8)، ولغيرهم عليه أن يعطي التعليم والكلمات (6)، بينما يؤنب آخرين ويسبب لهم بعض الألم حتى لا يكون بصمتهم البغيض سبباً لإطالة مرضهم أو موتهم (25، 26). البعض الآخر يستفيد من ذكر موته (81)، وغيرهم من أمور أخرى، فيما الجماعة تستفيد من ذل المريض، وآخرون يحتاجون إلى عقوبات أكثر ثقلاً (59). يعطي المعالِج لكل واحد ما ينفعه روحياً، حتى النظام الغذائي يكون مختلفاً. بالواقع، على مثال أحد رؤساء الأديار المختبرين، يقول “الأفضل أن نطرد أحداً من الدير من أن نتركه يصنع مشيئته… باسم الرحمة والتسامح” (94).

كل إنسان يُساعَد وينتفع بشكل مختلف. فعندما أشعلت المحبةُ الإلهية الخوفَ في شخص ما لم تعد الكلمات تسيطر عليه. كما أن الخوف في شخص آخر أنشأ عنده الصبر في كل الأعمال، وآخرون قادهم الرجاء بالملكوت إلى الازدراء بكل الأمور الأرضية (34). واضح من كل ما سبق ذكره أن طريقة العلاج هي رسالة وخدمة صليب وليس نشاطاً سطحياً. إن الفرادة المميزة لكل شخص، كما ميله، تتطلب مقاربات مختلفة. فهؤلاء الأشخاص يحتاجون بالدرجة الأولى إلى طبيب روحي ذي تمييز وحساس وخبير، لا يقدم فقط تشخيصاً صحيحاً وعلاجاً مناسباً، بل قبل كل شيء هو مستعد ليتألم مع المريض، ويحس باستيائه وألمه في نفسه وجسده أيضاً. عليه أن يكون بشكل أكيد جاهزاً ومستعداً لحمل صليب التوجيه الروحي. إن العلم الشفائي الروحي ليس مهمة عقلية بل حياة شهادة واستشهاد، على مثال المسيح القديسين، كما قاد موسى الشعب الغليظ الرقبة حاملاً ألمهم.

5. افتراضات العلاج المسبَقة

إلى الآن تكلمنا عن ماهية المرض الروحي، ومَن هو الطبيب، ما هو الشفاء وكيفية تحقيقه. بقي علينا أن نشير إلى أن شفاء الإنسان موجود لا فقط في بعض الدعم النفسي وبعض الممارسات الفردانية، بل أولاً وقبل كل شيء في رحلة الإنسان من الشخصية الفردية المنعزلة نحو علاقة شخصية. إنها رحلة من محبة الذات إلى محبة الله والإنسان معاً، من محبة تبحث عن ذاتها إلى محبة تنكرها. إنه لهذا السبب بالتحديد أن الشفاء يتم في مناخ روح محدد.

الكنيسة، التي لا تُفهَم فقط كعائلة، بل أيضاً كمستشفى روحي، هي المكان الأكثر ملاءمة لممارسة العلاج. لقد أشرنا سابقاً أن أمراض النفس هي نتيجة لفقدان علاقة الإنسان مع الله ومع أخيه الإنسان ومع نفسه ومع كل الخليقة. هذا يتم ضمن الكنيسة.

إن النص الذي درسناه يفترض مسبقاً دير شركة. فهو موجّه إلى رئيس دير، الذي هو الراعي وعمله هم شفاء أهواء الرهبان الجسدية والروحية. أريد أن أشير إلى أن القديس يوحنا تحدّث عن التبصّر في تقبّل “الخراف” حتّى يأخذوا مكانهم في القطيع بولع وغيرة من أجل خلاصهم. ضروري أيضاً للداخل أن يكون بعمر مناسب حتى لا يندم على ذلك لاحقاً بعد حصوله على الثوب الرهباني. في أي حال، حتى ولو أن الرهبان يعيشون في جماعة محددة فلا بد من بقاء إمكانية الحرية بما يلائم كل عمر. على المتقدّم أن يكون حذراً في هذا الأمر لأن ظروف ومكان سكنى كل الذين تحت إمرتنا تختلف بحسب أعمارهم (69). إلى هذا، هناك حاجة إلى اهتمام خاص إذ عندما يعيش المحاربون مع المتراخي تنشأ مشاكل مختلفة (63).

إذاً، الجماعة أي الدير، هي جماعة شفائية يدخل إليها الإنسان كي يشفى ويصير شخصاً ولكن أيضاً ليكتسب شركة جوهرية مع الآخرين. في هذه الجماعة الشفائية هناك طبيب مختص، غيره أخوة روحيون يساعدون اخوتهم على العيش هناك.

إن المركز السطحي للجماعة هو، في أي حال، ليس الإنسان، لأن الجماعة لا تقوم فقط على الناس. إن مركزها هو الله، لأن الرئيس الراعي يقوم بمهمته بقوة الله وقدرته. وهكذا، الجماعة التي فكر القديس يوحنا السينائي هي الدير. مركزها هو بناء الكنيسة، الهيكل المقدس، حيث تُقام الإفخارستيا. إنها العمل الأكثر أهمية لأن بها نبلغ إلى الاتحاد بالله وبإخوتنا وحتى بكل الخليقة وحتى بكل عمل العبادة الجاري في الكنيسة. يشير القديس عند نقطة ما أن شخصاً محبوباً من الله أخبره “أن الله الذي يغدق عطاياه على عبيده دائماً، يزيد في عطائه في أعياد السيد” (20). واضح هنا أنها ليست حالة من الشفاء الإنساني أو التوازن النفسي إنما عطايا تأتي من الله وبالواقع خلال أعياد السيد المسيح الكبيرة. إن الجماعة المتعبدة من أعضاء الكنيسة هي افتراض مسبق لهذا العطاء. بالحقيقة، تُعرف رحلة الإنسان نحو اتحاده بالله من خلال صورة الإفخارستيا المقدسة (93).

إن وجود الجماعة مرتبط بشكل لا ينفصل بإقامة الإفخارستيا المقدسة وبالعبادة كما بعنصر آخر ضروري لشفاء الإنسان، ألا وهو الحقيقة العقائدية للكنيسة، أي العقائد وما نسمّيه الإيمان. القديس يوحنا ينصح الراعي “ورّث أبناءك قبل كل شيء إيماناً خالصاً وعقيدة سليمة” (97). الأرثوذكسية مصنوعة ومركبة من الإيمان الصحيح والعقيدة السليمة. بالإيمان الأرثوذكسي يقود ليس فقط أبناءه الروحيين إلى الله، ولكن أيضاً أحفاده الروحيين. بالحقيقة، إنها الميراث الروحي الأعظم.

بالنتيجة، إن العناصر الثلاثة التالية هي الشروط المسبقة المطلوبة لشفاء الإنسان: ما يُسمى بالجماعة-الكنيسة، الإفخارستيا-العبادة، والأرثوذكسية أي الصحيح والعقيدة السليمة. حتى الهدوئي أو الناسك ليس مفصولاً عن الجماعة، إذ إنه إمّا عاش قبل توحده في جماعة أو هو بالحقيقة ملهَما من واحدة. هذا لأنه يعيش بروح الجماعة، بقدر ما يحب الله ويشترك معه، ومع العالم كله، وبالطبع بالجسد والدم في الإفخارستيا التي يتلقاها في الكنيسة. الحقيقة هي أنها عندما يصل الإنسان إلى تقدير عمق كيانه والشر الكامن فيه، أي عندما بنعمة الله ومساعدة طبيب روحي ذي خبرة تُشفى نفسه، عندها يأتي إلى معرفة أعماق الشر ولكن أيضاً قمم الفداء. يكفي أن يصل الإنسان إلى نقطة إدراك السقوط والقيامة في أحشاء كيانه. عندها سوف يعرف هدف العالم كله.

خاتمة

إن شفاء الإنسان هو العمل الأكثر أهمية على الأرض. يقول القديس يوحنا: “لا نغّط الذين يقدمون للمسيح كنوزاً أيها الأب المغبوط بل خرافاً ناطقة”. ليس هناك أي عطية أكثر إرضاءً للمسيح من جلب “النفوس بالتوبة” إليه. هذا لأن “العالم بأسره لا يساوي نفساً واحدة لأنه يزول بينما هي باقية غير فاسدة” (90).

إن الطبيب بطهارته، التي ليست من صنيعه بل هي عطية من الله، ينقع قذارة الآخرين، “يكون عاملاً مع القوات الروحية العادمة الأجساد” لأن هذا عملها (78).

اليوم، يسعى الناس بالمطلق إلى شفائهم كما يصفه ويعرضه القديس يوحنا السينائي، وكما تقدمه الكنيسة الأرثوذكسية. إلى هذا، عندما يتبع الإنسان العدالة والسلام والمساواة بين الناس، فهو يسعى في أعماقه إلى الشفاء، أي العلاقة الصحيحة مع الله والآخرين ونفسه والخليقة.  تنشأ الشكاوى والتذمرات والدمدمة المستمرة والأوجاع لأن الإنسان لا يعيش ملئه الممكن في صميمه. بالتأكيد ما هو ضروري لهذا العمل هو وجود أب روحي حساس وصبور، هو نفسه نفس حرة ويحترم بشكل مطلق حرية الإنسان وقادر بالحقيقة على القيادة إلى تحرير الروح وليس إلى إيحاءات ذاتية.

Leave a comment