الظلمة المنيرة عند القديس غريغوريوس النيصصي

الظلمة المنيرة عند القديس غريغوريوس النيصصي

ماتيو شتينبرغ

نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي

إذا رغبنا في إدراك مفهوم القديس غريغوريوس النيصصي للظلمة الإلهية، فأول افتراض يجب استبعاده هو أن تكون المعرفة مُدرَكة. مع ذلك، إنه افتراض أساسي جداً عند الفكر العلمي الحديث الذي بالكاد يُعطى لتأثيره أي اعتبار كونه مأخوذاً كلياً كحقيقة أساسية في حلبة التعلّم العامة. على الرغم من ذلك، إن الفكرة التي يعالجها القديس هي مجمل طريقة المعرفة التي بها نقارب معرفة الله. فالمعرفة عنده تتخطى تخوم الإدراك وحدوده مع كل ما يلازمه من الجز عن فهم ما هو فوق الوجود المادي. إنه معرفة تغوص في السلبي، أي في ظلمة ذلك المكان “حيث لا يبلغ الفهم”، وحيث توجد قامة المعرفة الحقيقية.

أفضل ما يُعبّر عن مفهوم القديس غريغوريوس للمعرفة السرية هو صورة الظلمة الإلهية، التي هي رمز قد يكون من أعظم ما أعطى لعالم الفكر المسيحي. وهو يعبر عنها بأوضح وجه في عمله الشهير “حياة موسى” وهذه الدراسة تستند بشكل رئيسي على هذا النص.

المرتقى الإلهي: الجبل

تقدّم لنا حياة موسى أحد أكثر نصوص كنيسة القرون الأولى براعة في التفسير الرمزي للكتاب المقدس. يناقش غريغوريوس قصة موسى والخروج اليهودي من منظار تاريخي، معيداً صياغة رواية الخروج ومن ثم ينتقل إلى التفسير الروحي الذي هو معالجة تأملية لمعنى الرواية الداخلي. كل تحرك موسى منذ أول سماعه وانتباهه لدعوة الله، إلى قيادته الشعب المختار خارج العبودية وإلى الحرية، إلى صعوده إلى سيناء ليتسلّم الناموس من الله: كل هذه تُعالَج على أنها رمز عظم متدرج لحياة المؤمن الروحية.

على المرء أن يبدأ مناقشة الظلمة الإلهية بالاعتراف بأن كتابات غريغوريوس ليست فقط الطريق الوحيدة للمعرفة. بالواقع، ليست حتى الأولى. في قصة موسى، يجلو غريغوريوس حقيقة أن هناك الكثير مما سبق صعود البطريرك إلى سيناء. وهكذا، على الكثير أن يسبق دخول الإنسان إلى ظلمة المعرفة الإلهية.

مرة أخرى، يقود الكتاب المقدس فهمَنا صعوداً إلى درجات الفضيلة العليا. لأن الرجل الذي تلقّى القوة من الغذاء وأظهر قدرته في قتال أعدائه وكان المنتصر على خصومه يُقاد إلى معرفة الله التي توصَف. يعلمنا الكتاب المقدس بهذه الأمور أن طبيعة الأشياء وعددها التي على المرء أن يتمها في الحياة قبل أن يجرؤ على مقاربة جبل معرفة الله بعقله [1].

رواية موسى ليس مجموعة من القصص، يبدو غريغوريوس وكأنه يقول، بل هو رواية عظمة عن التقدم والتطور. لم يكن اختار موسى منذ البداية لصعود الجبل بل أولاً ليكون راعياً وجندياً، وفقط عندما أتم الأمور السابقة كان له أن يختبئ في نقرة الصخرة ويرى الله. يوجد  في تفسير غريغوريوس الرمزي لهذا النص تشديد على التقدم في المعرفة ومن ثم إعلان للمعرفة بالرموز. لقد كان زمان عرف فيه موسى الله من قصة ثم من إرشاده في المعركة، ثم من قيادته إلى النصر. ومن ثم كان هناك الزمن الذي أتت فيه المعرفة بشكل لا يوصف وعرف موسى الله فعلاً.

بالواقع، يقدم غريغوريوس ثلاث طرق رئيسية في الحياة الروحية، وكما يشير دانيالو بحق، إن هذه الطرق مختلفة بعض الشيء عن تلك التي نلاقيها بالإجمال[2]. أكثر ما تتضح منذ التعليق على نشيد الأنشاد.

بدأت رؤية موسى لله بالنور. من ثم تكلّم الله إليه في الغيمة. ولكن عندما ارتفع موسى أكثر وأصبح أكثر كمالاً، رأى الله في العتمة.

لا يستطيع المرء تخمين مفهوم غريغوريوس للظلمة الإلهية بمعزل عن ملء هذا التصميم للحركة الصعودية. طريقة النور، طريقة المعرفة” كمافي غمامة”، والظلمة على أعلى نطة في الجبل مترابطة جميعاً مبنية الواحدة على التالية في سعي الباحث المخلص للاتحاد بالله. جبل المعرفة هو تلة شاهة وفيما النظرة من على التلة هي على مسافة بعيدة مما هو في الأسافل، ما يزال الجبل

طريق النور التي يلتقيها المرء في بداية رحلته الروحية، هي طريقة المعرفة الأكثر انتشاراً. إن غريغويوس واقعي في تأكيده على أن الغالبية الكبرى من الناس لا تتسلّق إلى قمة جبل المعرفة الرمزية.

معرفة الله هي جبل شديد الانحدار وصعب التسلق، أغلبية الناس بالكاد يصلون سفحه [3].

تستند معرفة أغلبية البشرية إلى النور وليس إلى الظلمة. وهذا بالواقع هو نطاق الإدراك. يتعرّى المرء من جهله عندما ينمو في النور. ومن خلال هذه الاستنارة يبدأ يرى بوضوح أكثر العالم من حوله. عند هذه الدرجة يبدأ المرء برؤية طبيعة الله بوضوح أكثر. موسى رأى الله أولاً كنور مشع من العليقة على سفح الجبل، وعبر هذا النور لم يتكشّف له فقط معرفة جديدة هي معرفة الخالق، ولكن معرفة عالية للشخص البشري، وما ينبغي فعله للنمو أكثر في المعرفة الحقيقية.

“يعلّمنا نور العليقة المحترقة ما يجب علينا فعله لننتصب داخل أشعة النور الحقيقي. فالأرجل المحذوّة تعجز عن تسلّق هذا العلوّ حيث يُرى نور الحقيقة، إنّما ينبغي خلع الغطاء الجلدي الميّت الأرضي الذب وُضع حول طبيعتنا في البدء عندما وُجدنا عراةً بسبب المعصية للإرادة الإلهية، هذا الغطاء ينبغي خلعه من رِجل النفس. عندما نخلعه تنشأ معرفة الحقيقة وتظهر نفسها”[4].

يعلمنا هذا النور (الذي من العليقة) ما علنا القيام به للوقوف في شعاعات النور الحقيقي: الصنادل لا تستطيع الصعود إلى العلو حيث يُرى النور الحقيقي.

تتضمن طريقة المعرفة من خلال النور عملية تطهر، عملية رمي لما يشير غليه غالباً بالقمصان الجلدية، ليس الجلد بمعناه البيولوجي، لكن بالمعنى الرمزي حيث أن الجلد يغطي ويخبئ الجوهر الحقيقي للطبيعة البشرية. يكتب دانيالو عن النور “هذه الطريقة تتميز بتطهر النفس من كل العناصر الغريبة وباستعادة صورة الله”[5]

إذاً، هذه الطريقة تقود إلى الطريقة الثانية: أي تلك التي تؤدي إلى معرفة الله “داخل مرآة النفس”، كما في الغمامة. هنا الإلماحات الأولى إلى معرفة مستيكية حقيقية، إذا أخذت العبارة بمعنى المعرفة من خلال الخبرة المباشرة، بما يعارض الإدراك البحت. عند تطهير النفس من انحراف الأهواء (يشير دانيالو بشكل صحيح إلى أن ما ينبغي تطهيره، بحسب فكر غريغوريوس، ليس الأهواء والميول الجسدية بل انحرافها) [6] تبدأ النفس بالتوصل إلى معرفة ما لا يُرى. في التعليق على نشيد الإنشاد، يقارن غريغوريوس هذا بالغمامة: ما أن الغمامة تنزل على شخص (أو ربما بأكثر دقة، ما أن يصعد المرء إلى الغمامة)، حتى تبدأ رؤية المعاني تتحل إلى ضبابية. فالمعرفة ليست فيما بعد عملاً حسياً إدراكياً، إنما تبدأ الغمامة بتعويد النفوس على السعي إلى المعرفة المخبأة. هذا التخلي عن الاتكال على الحواس مشار إليه أيضاً في حياة موسى، عندما يبعد هذا البطريرك الحيوانات قبل تسلقه الجبل. [7] عندما أُنجز هذا وأبعدت قطعان الحيوانات غير العاقلة قدر الإمكان عن الجبل، عندها قارب موسى الارتقاء إلى المفاهيم العالية. ألاّ يكون مسموحاً ظهور أيٍ من الحيوانات العاقلة على الجبل معناه، في رأيي، أن في معاينة الأمور غير المدركة نتخطى المعرفة التي تنشأ من الحواس.

عندما يتم تخطي هذه المعرفة الناشئة من الحواس، يبدأ المرء بالمعرفة من خلال النفس بذاتها، “كما في مرآة”. عند غريغوريوس، هذا المفهوم يستند إلى فكرة مسيحية أساسية: سكنى الثالوث في الإنسان. إذ يسكن الله الآب في النفس، تصبح النفس قادرة على التمرير المعرفةَ للإنسان بطريقة غير حسية. تتصرف النفس كمرآة تعكس طبيعة الله الخاصة في مرآة الإنسان.

لا تتأثر معاينة الله بالنظر والسمع، ولا هي تُفهَم بأي من مفاهيم الفكر المألوفة. إذ إن ما يدخل عادة إلى قلب الإنسان هو ما لَم ترَه عين ولا سمعته أذن ولا هو ينتمي إلى هذه الأمور[8].

هذه هي بداية معرفة الله بالقلب، وجود الله الحميم. إلى هذا فهذه المعرفة باهتة وضبابية كما في غمامة. على النفس أن تكون أيضاً متطهرة، وعليها أن تعتاد أكثر على هذه الطريقة الجديدة من التعرف. عليها بالواقع أن توقف اتكالها على الإدراك وتتبنّى اللاأساسية الظاهرة للمعرفة غير المدرَكة. على المرء أن غتسل من فهمه كل رأي مستخرج من بعض المفاهيم المسبقة وعليه أن ينسحب من تعامله الاعتيادي مع رفيقه الخاص، أي مع مفاهيمه الحسية المتزاوجة مع طبيعتنا وملازمة لها. عندما يتطهر الإنسان يهاجم الجبال. [9]

 

الظلمة الإلهية

نصل إذاً إلى الظلمة. على قمة الجبل، عندما يصعد المرء إلى قلب الغمامة، يجد نفسه في ظلام الليل. الآن مضى كل الأنوار وأصبحت الغيمة كثيفة حتى لا يرى المرء شيئاً عبرها. في هذا المكان حيس تتوقف الأحاسيس عن حسها تتفرغ النفس للمعاينة النقية “وهناك ترى الله”[10].

يبدو مفهوم الظلمة مخالفاً لمناقشات غريغوريوس السابقة حول المعرفة كأعلى أشكال المعرفة وأن الهروب من الجهل كهروب من الظلمة. يتحدث غريغوريوس نفسه عن هذا التناقض.

يعلمنا الكتاب بهذا أن المعرفة الدينية تأتي أولاً إلى الذين يتلقونها كنور. إذاً، ما يُفهَم على أنه نقيض الدين هو الظلمة، والهروب من الظلمة يأتي من الماركة في النور. ولكن كما يتقدم الفكر، وبالتالي من خلال جهد أكبر وأكثر كمالاً، يأتي على فهم الواقع، وفيما هو يقترب أكثر إلى المعاينة يصبح ما هو في الطبيعة الإلهية غير مفهوم قابلاً للمعاينة.[11]

يجد المرء إشارة واضحة إلى طرق المعرفة المختلفة في أعمال غريغوريوس. المعرفة هي مثل النور عندما نكون “أطفالاً في الإيمان”، عندما يكون فهم المرء نسبياً ضعيفاً وتكوّن المعرفة امتداداً له. عندها تكون المعرفة مثل نور يدخَل إلى غرفة فيطرد الظلام ويصبح محتوى الغرفة منظوراً بحرية. ثم تأتي مرآة النفس كما في غمامة، وفي النهاية الظلمة.

إن صورة الظلمة هي قمة لاهوت غريغوريوس الروحي. إنه يتكوَّن من المرحلة الأخيرة من مرتقى المعرفة: في عزل الحواس والمنطق المعرفي كلياً كمصادر للحقيقة، وفي النهاية إدراك، بطريقة مباشرة وشخصية، عدم قدرتهم على استيعاب التوصل لمعرفة الله عن طريق حيازة عدم معرفته.

أن يترك كل ما رآه خلفه، ليس فقط المعنى الذي فهمه بل أيضاً ما يعتقد الفكر أنه يراه، فهو يتابع ولوجه نحو العمق إلى أن يصل، عن طريق توق الفكر إلى الفهم، إلى ما لا يُرى ولا يُفهم وهناك يرى الله. هذه هي المعرفة الحقيقية لما يُسعى إليه، إنها ليست النظرة التي تتكوّن في عدم النظر، لأن ما يُسعى إليه يتخطى كل معرفة مفصولاً من كل الجهات بعدم الفهم كَنوع من الظلمة.[12]

ومرة أخرى، إذ نما موسى في المعرفة، أعلن أنه رأى الله في الظلمة، أي أنه عند ذلك الحين توّل إلى معرفة أن ما هو إلهي هو فوق كل معرفة وفهم.[13]

من أعظم مساهمات غريغوريوس في فهم الروحانية الشخصية والمعرفة المستيكية، كان قبوله وتبنّيه تعالي الله المطلَق. البشر هم مخلوقات من المعرفة وهم ينمون في فهمهم للخالق، إلاّ إنه من الضروري أن تأتي فيها يكتشفون أنه حتى المعرفة هي عطية، وهي عطية مهمة من جهة معطيها. عندما يرتفع المرء ما يكفي على جبل المعرفة، يأتي في النهاية إلى فهم أن الله فوق الفهم، لأنه فوق كل المَلَكات التي تشكّل الفهم البشري. قد يخبرنا المشهد والصوت أو الفكرة والعقل جزءً مما يمكن معرفته عن الله ولكن ليس الكل. أحد أعظم الخطوات التي يمكن للمسيحي أن يقوم بها في معرفته لله هي في أن يصرف كل مَلَكاته المعرفية عند نهاية التسلق. موسى لم يرَ الله فعلياً إلى أن خرج من نور النظر إلى ظلمة المعرفة الحقيقية الكثيفة.

مع هذا، ليس استعمال غريغوريوس لرمز الظلمة الإلهية تخلياً عن المنطق الإيجابي ما قد يؤدي إلى تفريغ لاهوته بشكل أساسي وبالتالي يجرده من المعنى. من السهل قراءة حكايته عن انسحاب موسى إلى الظلمة وفهمها على أنها تعني انسحاب ساذج من المعرفة إلى الجهل. لكن بالتأكيد ليست هذه رسالة غريغوريوس. ليست الظلمة فراغاً (وبالتالي الخلو من المعنى)، لكنها بالأحرى ذروة الملء. إنها بالواقع ظلمة هي “نتيجة فيض الضو” [14]، فوجود الله بشكل كامل ونقي لدرجة أن العجز عن وصفه يكون مثل العمى للحواس. ومع هذا فإنه عمى بالنسبة فقط لطريقة التفكير الاعتيادية. أنا في العالم الروحي فإنه بداية الرؤية الحقيقية. إنه “الوصول إلى معرفة أن كل ما هو إلهي هو فوق كل معرفة وكل فهم” وهكذا إنه التواجد الكامل في حضرة “ملء الوجود الإلهي”[15]. لقد عرف موسى الله في مصر  وفي الصحراء وفي البرية، لكنه لم يرَه إلاّ في الظلمة على قمة الجبل.

 

طريق الكمال هو نمو النفس

لقد اهتممنا في هذا المقال القصير باستعمال غريغوريوس لرمز الظلمة الإلهية ومعناه بالنسبة لمجمل فهمه للحياة الروحية. إن قصور هذه المهمة منعتنا من التطرق لموضوع التقدم الروحي وهو قريب مما عالجنا ويرد في أعمال غريغوريوس ومنها “حياة موسى”. لقد وُجدت بعض خصوصياته في مناقشة التقدم في المعرفة المثلث الجوانب (النور، مرآة النفس، والظلمة)، ومع هذا فالمدى الذي يرى فيه غريغوريوس الحياة الروحية كوجود من النمو المستمر لا يمكن معالجته بشكل وافٍ في إطار هذا البحث. ونفشل في استيعاب مفهومه للظلمة بشكل وافٍ إذا لم نشِر إلى موضوع التقدم الروحي في الختام.

عندما بلغ موسى قمة سيناء وغلفته “الظلمة الكثيفة حيث كان الله” (خروج 21:20)، وصل إلى قمة مرتقاه. يمكن لرحلته المادية أن تستمر. وقد يرغب المرء عندها بأن يفترض بأن رحلته الروحية بلغت عند هذا الحد ذروتها: فقد تم بلوغ الظلمة وبالتالي أُحرز الكمال. لكن بالنسبة لفكر غريغوريوس، فإن الكمال الذي بُلغ إليه هو بقدر هذه القمة ولكنه ليس إلا البداية. لقد تم البلوغ إلى قمة جبل المعرفة وآن الأوان للرحلة الروحية لتبدأ.

لهذا السبب نقول أيضاً أن موسى العظيم، فيما كان يزداد عظمةً، لم يتوقف في أي لحظة في مرتقاه ولا هو وضع لنفسه حداً في مسيرته العلوية.[16]

الظلمة الإلهية التي توجد على قمة الجبل، تأتي بالشخص إلى معرفة شخصية لسمو الله على المعرفة. وفيما تزداد هذه المعرفة الاختبارية، كذلك تزداد الرغبة. النتيجة هي ازدياد من الحركة نحو الأعلى ونحو الداخل. تكتفي النفس، ولكن في لحظة الاكتفاء نفسها تنمو رغبة جديدة. تتميز كل لحظة على طريق المعرفة الروحية بجدتها. وكل نقطة في هذه الرحلة هي نقطة بداية، واكتمال الطريق بحد ذاته يتألف من تقدمه الأبدي. يكتب غريغوريوس:

بالواقع لم يكن الله ليظهر نفسه لعبده لو كانت الرؤية توقف رغبة موسى. لأن رؤية الله الحقيقية تتكوّن بالواقع من أن النفس التي تبحث عن الله لا تتوقف عن اشتهائه. (…) إت الرجل الذي يظن أن من الممكن معرفة الله لا حياة له؛ لأنه انحرف بشكل خاطئ عن الكائن لحقيقي نحو شيء أوحت به مخيلته. لأن الكائن الحقيقي هو الحياة الحقيقية ولا يمكننا معرفته. فإذا كانت هذه الطبيعة المعطية الحياة تسمو علة المعرفة، ما تبلغ إليه عقولنا في هذه الحالة ليس حياةً بالتأكيد. (…) إذاً رغبة موسى تتحقق بحقيقة كونها غير محققة (…). وهذا هو المعنى الحقيقي لرؤية الله: ألاّ تُشبَع هذه الرغبة.[17]

إن الظلمة هي كون الله، وتأثيرها على الإنسان هو توق ورغبة متجددان نحو خالقه. يبدأ الصعود نحو الظلمة بتطور مستمر فيه يتطور الكائن البشري بشكل ثابت إلى معرفة عميقة لله، وهو دائم التطور نحو ما هو أفضل متحولاً من مجد إلى مجد. [18]

 

Bibliography

Commentary & Study:

Balthasar, Hans Urs von. Présence et pensé – essai sur la philosophie religieuse de Grégoire de Nysse. London: Ignatius Press, 1995. (Also English translation).

Daniélou, J. Platonisme et théologie mystique – essai sur la doctrine spirituelle de saint Grégoire de Nysse. Paris: Editions Montaigne, 1953.

Daniélou, J. & Musurillo, H. From Glory to Glory: Texts from Gregory of Nyssa’s Mystical Writings. London: John Murray, 1962.

Meredith, Anthony. Gregory of Nyssa. London: Routledge, 1999.

Texts:

Editions du Serf: La vie de Moïse – ou traité de la perfection en matière de vertu (text in French and Greek). Paris, 1968.

Malherbe, A.J. & Ferguson, E. The Life of Moses, from The Classics of Western Spirituality (series). New York: Paulist Press, 1978.

Wace, Henry & Schaff, Philip (Ed.). Gregory of Nyssa: Dogmatic Treatises, Etc, from A Select Library of Nicene and Post-Nicene Fathers (series). Oxford: Parker and Co., MDCCCXCIII.

 

[1] Life of Moses, §152.

[2] Daniélou, Introduction to From Glory to Glory, p.23.

[3] Life of Moses, §158.

[4] Life of Moses, §22.

[5] Daniélou, p.23.

[6] Daniélou, pp.23-4.

[7] Life of Moses, §156.

[8] Life of Moses, §157.

[9] Life of Moses, §157.

[10] Life of Moses, §163.

[11] Life of Moses, §162.

[12] Life of Moses, §163.

[13] Life of Moses, §164.

[14] This poetic phrase belongs to Daniélou, p.37.

[15] Daniélou, p.32.

[16] Life of Moses, §227.

[17] Life of Moses, P.G. 44.404(A-D).

[18] On Perfection, P.G. 46.285(B-C).

 

Leave a comment