الرعاية عند البطريرك أثناسيوس ابن الدبَّـاس


الرعاية عند البطريرك أثناسيوس ابن الدبَّـاس

إعداد ماريّـا الياس قبارة

أثناسيوس الرابع الإنطاكي الحلبي ابن الدبّاس،

“بطريرك الروم الملكيين الأرثوذكس في إنطاكية والمشرق”

مقدمة:

تحمل حلب في طياتها خمس ألفيات من التاريخ، إنها إحدى كبريات المدن القلائل التي بوسعها أن تفخر بمثل هذا الماضي ،عرفت حلب حضارات مختلفة مرت عليها تباعا من دون أن تفقد هويتها وميزتها.

خلال هذه المسيرة الطويلة هناك ثلاث ثوابت :

الموقع الجغرافي: (من الشرق إلى الغرب) هي في وسط الطريق بين المنعطف الغربي للفرات والبحر المتوسط، (ومن الشمال إلى الجنوب على الطريق المؤدي من الأناضول إلى قلب سوريا). تعلق الحلبيين بمدينتهم وولائهم لها

الطابع الديني العميق للمدينة:

هناك تغيرات من جراء تبدل الحدود (الشرقية والشمالية) ومن جراء تقلب الأوضاع السياسية والأمنية

ومن ميّزات حلب:

أنها طريق الغزوات ونقطة مجابهة بين قوات المنطقة المتصارعة.

أنها طريق المبادلات التجارية والمواصلات ونقطة التلاقي بين الحضارات.

– وفي تاريخها الطويل ثلاث حقبات كبيرة:

الحقبة السامية القديمة حيث كان اسمها” حلبو.

الحقبة الهلينية والرومانية حيث تسمت “بيرية” واكتسبت مسحة من الثقافة اليونانية

الحقبة العربية حيث استعادت اسمها حلب

الفصل الأول

1- مسيحيو حلب في الحقبة العربية:

مع الفتح العربي عام 637استعادت المدينة اسمها السامي القديم حلب وحلت اللغة العربية محل اليونانية والآرامية.

وانتشر الإسلام شيئا فشيئا على حساب الجماعة المسيحية التي حافظت مع ذلك على كيانها بفضل معاهدة الفتح التي أقرت بحرية العبادة للمسحيين مقابل دفع الجزية، وأصبح المسيحيون من أهل الذمة ينعمون بحماية الدولة المسلحة، وحافظ رؤسائهم الدينيون على ميزاتهم وكان لهم الحق في القضاء وإصدار الأحكام بموجب قوانينهم الخاصة عندما لا يكون أحد الطرفين مسلماً.

سقطت الحدود الشرقية القديمة مع المملكة الفارسية ونشأت حدود جديدة في الشمال تفصل المنطقة عن العالم اليوناني، ولم يعد المتوسط بحرا آمنا فتقلصت العلاقات التجارية مع الغرب.

وأصبحت حلب مدينة حدودية لا بل مدينة في الجبهة بذلت أكبر مجهود حربي ضد البيزنطيين والفرنجة. وبعد أن كانت مدينة ثانوية أخذت أهمية كبرى لا سيما مع الأمير سيف الدولة الحمداني في أواسط القرن العاشر فأصبحت عاصمة الجزء الشمالي من بلاد الشام. وكان يحكمها أمراء محليون بشكل وراثي (الحمدانييون،المرداسييون،الزنكيون والأيوبيون) ثم فقدت استقلالها عام 1260فأصبحت تخضع لحاكم تعينه السلطة المركزية بالقاهرة في عهد المماليك، ثم استنبول في عهد العثمانيين،وظلت ايالة حلب مستقلة عن ايالة دمشق.

في المرحلة الأولى من الحقبة العربية، من القرن السابع حتى أواخر القرن الحادي عشر،كانت السلطة بيد العناصر العربية الصرف، وكان المسيحيون لا يزالون يشكلون الأغلبية السكانية، ولعبوا دورا هاما في المجتمع.

وكانت نخبة من الأطباء وكبار الموظفين المسيحيين تشكل حماية للكنيسة وأبناءها. وكانت الكاتدرائية البيزنطية العظمى ملاصقة للمسجد الأموي الكبير ويتجاور المسيحيون والمسلمون في المدينة القديمة بدون اصطدام.

يتزامن آخر القرن الحادي عشر مع احتلال السلاجقة الأتراك الأقل تسامحاً من العرب ومع استيلاء الفرنجة على إنطاكية عام 1098 .فتهمّش المسيحيون شيئاً فشيئاً وأقصوا عن وظائف الدولة. وفي عام 1124 استولت السلطات الإسلامية على أربع كنائس كانت لا تزال قائمة لاسيما على الكاتدرائية البيزنطية التاريخية وحولتها إلى مساجد كردة فعل على انتهاكات الفرنجة لحرمة مدافن المسلمين.

وعاث هولاكو المغولي فسادا في المدينة عام 1260، والمماليك الذين قضوا على تواجد الإفرنج في سوريا وفلسطين وحكموا البلاد، قسوا على المسيحيين الذين ما عادوا يشكلون أكثر من عشرة في المائة من سكان المدينة. ومن جراء غزو تيمورلنك عام1400 هلك معظم السكان والمسيحيون الذين نجوا لاقوا ملاذا في مناطق أخرى.

إلا أنه لم يحلّ بحلب ما حلّ بأفاميا والرصافة، وعادت الحياة إلى المدينة وعاد إليها المسيحيون وعاشت عصرا ذهبياً جديدا مع قدوم العثمانيين

2– نهضة حلب في القرن السابع عشر:

بدأت ملامحها في القرن السادس عشر وتتابعت في القرن الثامن عشر حتى خمودها في أواسط القرن التاسع عشر.

استولى السلطان سليم الأول العثماني على حلب عام 1516. وضمت المدينة إلى إمبراطورية واسعة. وتباعد الحدود صانها من الغزوات وجعلها تحتل موقعا مركزياً. فهي أقرب مدينة عربية كبرى من العاصمة استنبول. وعاد اتصالها شرقا مع العراق(والعجم)وشمالا مع الأناضول ووراءه العالم اليوناني. وإن المرافئ السورية (طرابلس أولا ثم الإسكندرون) التي تخدم حلب أصبحت من جديد منفتحة على المبادلات التجارية الكبرى مع الغرب والمرافئ اليونانية.

إنّ وضع حلب الجديد جعلها في قلب المبادلات التجارية الدولية. مع الرخاء الاقتصادي انفتحت على الغرب وعلى العالم اليوناني الشرقي.هذا الانفتاح فجّر الانتعاش الثقافي والروحي والفني الذي يعود إلى الحلبيين أنفسهم.

3-الانفتاح على الغرب:

التجارة:

عقدت فرنسا عام 1535(فرانسوا الأول) مع الإمبراطورية العثمانية معاهدة تجارية تجددت عامي1569ثم1581 كرست إزاحة البندقية لصالح مرسيليا منذ أواسط القرن السادس عشر.

وعام1580 وقعّت إنكلترا معاهدة تجارية مع العثمانيين (تأسست شركة الهند عام1581) وحصلت هولندا عام 1612على بعض الامتيازات. وفي أواخر القرن السابع عشر خف اهتمام إنكلترا وهولندا بشؤون الشرق الأدنى ليهتموا بالأحرى بالهند والشرق الأقصى.كانت إنكلترا تفوقت على فرنسا تجارياً من جراء الحروب الدينية مع البروتستانت إلاّ أنّ التجارة الفرنسية انتعشت مجدداً مع الوزير كولبير في عهد الملك ليس الرابع عشر.ثم إن الثورة الفرنسية وحروب نابليون أضعفت النفوذ الفرنسي.وأخذت الموانئ الإيطالية ليفورنو ومسينا تنافس مرسيليا.ثم دخل على الخط دولة سردينيا والنمسا وروسيا والسويد والدانمرك وبروسيا.

كانت حلب المركز الأهم للمبادلات التجارية بين مرافئ المتوسط والشرق الأقصى.كانت القوافل القادمة من البصرة على الخليج العربي الفارسي تنقل السلع الواردة من الشرق الأقصى حتى حلب. ومنها كانت تتوجه نحو الأناضول واستنبول ومرافئ البحر المتوسط. وهذه المرافئ كانت تستقبل السلع الواردة من أوروبا فتتجمع في حلب لتتوزع منها على سائر الأقطار والأناضول والشرق الأقصى.

أهمية حلب التجارية جذبت إليها جالية من الأوروبيين.وسكن “الإفرنج”في الخانات في المدينة القديمة قرب الأسواق حيث كانت تعقد الصفقات التجارية. وكانوا هناك في مأمن أكبر وكان من الأسهل مراقبة تحركاتهم وكان المسيحيون الحلبيون وسطائهم المفضلون لدى أصحاب القوافل والتجار المحليين .

القناصل والدبلوماسيون:

إن المعاهدات المبرمة بين الدول الكبرى الغربية.والإمبراطورية العثمانية منحت لهذه الدول الحق في افتتاح قنصليات في أهم المدن تتمتع بامتيازات لحماية مصالح رعاياها.

افتتحت قنصلية البندقية في حلب عام 1548 وقنصلية فرنسا عام1562 وقنصلية إنكلترا عام 1583وقنصلية هولندا (الفلمنك) عام1613، وسائر الدول التي لها مصالح في حلب افتتحت لها قنصليات خلال القرن الثامن عشر.

  • · المرسلون اللاتين:

وصل الفرنسيسكان إلى حلب عام 1571لخدمة معبد قنصلية البندقية وأوكل إليهم رعاية التجار اللاتين المستقرين في حلب.

وبإيعاز من مجمع انتشار الإيمان وبدعم ريشوليو الدبلوماسي وصلت إلى حلب ثلاث مجموعات من المرسلين اللاتين خلال العقد الثالث من القرن السابع عشر الكبوشيون عام 1623والكرمليون عام1625(وقد أخذ اللعازريون مكان اليسوعيين بعد أن حُلّت الرهبنة اليسوعية عام 1773)كانت غايتهم إعادة وحدة الكنائس الشرقية مع الكنيسة الرومانية والإنعاش الثقافي والروحي لهذه الطوائف.وكانت حلب إشعاع المرسلين باتجاه دمشق ولبنان)صيدا، طرابلس، عينطورة، حريصا).

  • · الانفتاح على العالم المسيحي الشرقي:

في عهد المماليك كان مسيحيو حلب يتصلون بصعوبة مع بقية العالم المسيحي الشرقي. الفتح العثماني وصل بين المسيحيين العرب والكتلة المسيحية الشرقية. اليونان المتنفذون في استنبول وضعوا يدهم على بطريركية القدس،وأعيد اعمار دير مار سابا بعناصر اغلبها يونانية. وجذب هذا الدير العديد من الحلبيين الذين تأثروا بالثقافة الأورثوذكسية اليونانية. بقيت البطريركية الإنطاكية بيد العناصر العربية (أقله إلى غاية 1724 حيث الفرع الاورثوذكسي أصبح بيد اليونان، إلا أن عناصر عديدة لاسيما من قبرص وساقز(كيو)، تشغل مناصب خدمة في بطريركية إنطاكية المضيافة،وتبوأ بعضهم رئاسة أبرشيات هامة. والعديد من الحلبيين استقروا للتجارة في استنبول والعديد من المدن الأناضولية حيث كانت تقطن جاليات كبيرة من اليونان. كما أن تجاراً يونان لاسيما من قبرص استقروا في الإسكندرون وفي حلب. وهكذا انفتح الحلبيون على الثقافة اليونانية المعاصرة.

4- شخصيات محلية مرموقة:

ما عدا هذا الانفتاح والتأثير الخارجي عرفت حلب في هذه الحقبة عدة شخصيات مرموقة: أحبار لامعون (ملاتيوس كرمة، مكاريوس زعيم اندراوس اخيجان، اثناسيوس دباس، جرمانوس فرحات…) لاهوتيون، شعراء، فنانون ونخبة برجوازية من الأعيان ساندت الفنون والمشاريع وحامت عن الكنيسة

الفصل الثاني: ظواهر النهضة في حلب

1- النمو الديموغرافي :

تضاعف عدد المسيحيين أربعة أضعاف خلال ثلاثة قرون.إحصاء عام 1537يعطي للمسيحيين 553 خانة أو بيت على مجمل 10270فتكون نسبتهم 5.4 في المائة. عام 1584 كان التعداد 638 خانة أو بيت على مجموع9361 نسبة6.6 في المائة وفي القرن السابع عشر ارتفع عدد المسيحيين الخاضعين للجزية (الذكور البالغين15عاماً) من 2500 عام 1640إلى 5391 عام 1695.

هذا التزايد يعود جزئياً إلى نسبة الولادة المرتفعة لدى المسيحيين وإلى شروطهم الصحية ولكن بالأخص إلى تدفق المسيحيين من المناطق الأخرى مجذوبين بازدهار المدينة ورقيها الثقافي. موارنة من لبنان وأرمن من العجم سريان من طور عبوين، روم ملكيون من المناطق الجنوبية حماة،حمص، حوران. الحلبيون الجدد كان لهم عام 1653وضع خاص بشأن الجزية ثم دمجوا مع بقية السكان.وأصبح المسيحيون في حلب يشكلون20 بالمائة من السكان.

2- التوسع العمراني :

يقطن المسيحييون خاصة خارج الأسوار. ومركزهم الأهم حي الجديدة وهو ضاحية مقابل الزاوية الشمالية الغربية للمدينة القديمة يرد ذكره لدى ابن شحنة في مطلع القرن الخامس عشر. في هذا الحي تتجمع الكاتدرائيات، الأرمنية العائدة إلى عام (1455) والمارونية (قبل عام1489، الملكية (أواخر القرن الخامس عشر)، السريانية(1510)

وإن تزايد عدد المسيحيين حملهم على التوسع باتجاه الضواحي الشرقية الشمالية التي انسحب منها المسلمون شيئا فشيئاً. والخط الفاصل بين الأحياء المسيحية والأحياء المسلمة هو الشارع الممتد حاليا من باب الحديد إلى بوابة اقيول ويذكر الشيخ كامل الغزي في كتابه “نهر الذهب في تاريخ حلب” أن المسيحيين مازالوا يشكلون أغلبية السكان في 27 حياً حيث يعيشون جنبا إلى جنب مع الأقلية المسلمة. بعض الأحياء مسيحية مئة بالمائة كحي الصليبة والجديدة حيث يقطن المسيحيون المرفهون. هناك نجد بيوتا واسعة ومنمّقة دخلت في عداد الآثار (بيت وكيل، بيت غزالة، بيت دلال، بيت باسيل، بيت اجقباش….)

3- الازدهار الاقتصادي :

إن غنى حلب يعود إلى التجارة وإلى الصناعة الحرفية. وللمسيحيين حظ كبير في هذه النشاطات. وقد أثروا أكثر من عامة المسلمين .وبما أن الأراضي الزراعية محصورة في المسلمين فهم يتعاطون التجارة والصناعة.

تدربوا على التجارة مع الغرب بفضل اتصالاتهم مع الإفرنج كتراجمة وسماسرة أو مستخدمين. وبعد نزوح الأوروبيين عن حلب في أواسط القرن التاسع عشر حلوا محلهم وفتحوا بيوتا تجارية في أوروبا(مرسيليا،ليفورنو،مانشستر…) وبيدهم التجارة الداخلية نجد في مطلع القرن الثامن عشر تجارا حلبيين لهم نفوذ واسع في استنبول ويعنون بشؤون طوائفهم لدى السلطات. وفي القرن التاسع عشر توزعوا في أهم مدن الأناضول وكانوا استلموا مراكز تجارية هامة في مصر منذ القرن الثامن عشر.

العديد من المسيحيين ناشطون في مختلف الحرف:الصياغة، البناء، الخبازة، العطارة وبيع الخضرة ولكن لا نجد بينهم قصابين وهذه المهنة كانت محصورة خاصة بالانكشارية. وصناعة الصابون والدباغة كانت محصورة خاصة بيد المسلمين.أما مهنتهم المفضلة فهي النسيج. هناك مذكرة لعام1777 تذكر أن صناعة الخام والأقمشة المزهرة والأطلس خاصة بيد المسيحيين (5000نولا). القنصل الفرنسي روسو في مطلع القرن التاسع عشر يقدر عدد أنوال النسيج بـ12000 وجزء كبير منها في الضاحية الشمالية ذات الأغلبية المسيحية. وهذه الأنوال مجمعة في أمكنة خاصة تسمى قيصريات أوهي منصوبة في المنازل الخاصة. وكان عدد من الكهنة يتعاطون هذه المهنة أيام الأسبوع. ولما نشأ النسيج الآلي في أوروبا في أواسط القرن التاسع عشر كان ذلك ضربة قاسية لصناعة حلب ولتصدير النسيج.لكن الأنوال العربية كانت لا تزال لها أهميتها في الثلاثينات من القرن العشرين في المصانع كان المسيحيون يستخدمون بعض العمال المسلمين. و”المعلمون”و”الصناع”كانوا منتظمين في جمعيات شبيهة بالنقابات وكان المسيحيون ممثلين فيها.وكانت التجارة تضع المسيحيين في اتصال مع أصحاب القوافل والتجار والزبائن المسلمين. ومن جراء الجوار والعمل عرف المسيحيون والمسلمون كيف يعيشون في سلام ونشأت بينهم أحيانا صداقات أدت في بعض الأحوال إلى قيام حوار ديني

4- النهضة الثقافية :

فتح المرسلون الغربيون مدارس بتشجيع من الأساقفة الشرقيين وأخذوا يعلمون اللغات الأجنبية ومبادئ الحساب.وفتحت الطوائف الشرقية أيضا مدارس تعلم القراءة والحساب (المدرسة المارونية أسسها الدويهي الذي أصبح بـطريركا والخوري بطرس التولاوي، وقامت مدارس مماثلة لدى الروم والسريان والأرمن).

وتوجه عدد من الحلبيين إلى روما حيث درسوا الفلسفة واللاهوت في المعهد الأورباني.
وعادوا إلى حلب حيث فتحوا مدارس لتعليم اللغات وقاموا بترجمة العديد من المؤلفات الروحانية واللاهوتية عن الإيطالية أو الفرنسية. وإن عددا من المرسلين تعلموا العربية بحيث تمكنوا من ترجمة أو تأليف كتب تقوية استعانوا أحياناً لتنقيح لغتها ببعض الحلبيين المختصين. ونظمت دروس لاهوتية معمقة للمرشحين إلى الكهنوت على يد كهنة شرقيين كالخوري ميخائيل بجع (وهو ملكي، علم المرسلين اللغات الشرقية) والخوري بطرس التولاوي (ماروني تلميذ روما. (

وإن مجموعة من الشبان تدربت على العلوم اللغوية والعربية الفصحى على يد أشهر المشايخ المسلمين في المدينة الشيخ سليمان النحوي. وكانت هذه العلوم التي تدرس في المساجد حكرا على المسلمين وكان المسيحيون يكتبون بلغة العامة. وهؤلاء الشبان أصبحوا كتاباً وشعراء مرموقين في مطلع القرن الثامن عشر:جرمانوس فرحات، عبد الله زاخر، نيقولا الصايغ، ميخائيل(مكسيموس)حكيم، مكرديج الكسيح، توما نعمة…

إن غزارة حركة الترجمة والتأليف نجم عنه ازدهار صناعة النسخ، وكان النساخ ينشرون المؤلفات الجديدة وينسخون القديمة. وإن الأسر الثرية أخذت تهتم بحيازة مجموعتها من المخطوطات

5-النهضة الروحية :

قدّم المرسلون الغربيون قدوة صالحة بأمانتهم لنظامهم الرهباني، وتفانيهم في خدمة المرضى لا سيما المطعونين ومواظبتهم على الصلاة والدراسة. وانصرفوا إلى تعليم الأولاد مبادئ الديانة والوعظ والإرشاد الروحي بمناسبة الاعتراف وزيارة البيوت.وأسسوا أخويات مريمية للأحداث والبالغين وادخلوا العبادات الحديثة كالوردية وثوب العذراء التي أخذت رواجا كبيرا.وترجموا كتباً روحانية ولاهوتية لمؤلفين غربيين معاصرين متجاهلين التقليد الشرقي.والتف حول الرهبان الإفرنج مجموعة من المتعبدين والمتعبدات جمعوا بين الممارسات التقوية اللاتينية تعلقهم بروحانية الشرق وليتورجيّته. ظلَّ معظمهم في العالم وطبعوا جماعة حلب المسيحية بهذا التعلق بالدين والتقوى الذي مازال حياً حتى اليوم.وغيرهم أسسوا في لبنان جماعات رهبانية منتظمة هي الأولى من نوعها في معظم الطوائف، الرهبنة اللبنانية لدى الموارنة،الرهبنة الشويرية لدى الملكيين، دير مار أفرام الرغم ثم الشرفة لدى السريان، دير الكريم ثم بزمرّ لدى الأرمن.والعابدات الحلبيات أسسن لهن دير البشارة في زوق ميكائيل.

6- إعادة العلاقات مع روما :

كان مسيحيو حلب موزعين على أربع طوائف أو ملل تعترف الدولة العثمانية بكل منها كقومية مصغرة لها استقلاليتها الداخلية.الروم أو الملكيون، السريان،الأرمن والموارنة.كان الروم أكبر طائفة عدداً.وكان على رأس كل طائفة أسقف مرتبط ببطريرك يعيش خارج حلب (وفي القرن السابع عشر فضّل العديد من البطاركة الإقامة في حلب). وحدهم الموارنة كانوا في شركة كاملة مع رومة، السريان والأرمن كانوا في قطيعة معها (ومع الكنيسة البيزنطية) منذ رفض المجمع الخليقيدوني المنعقد عام451. ولم يكن من مبرر لاهوتي أو قانوني للقطيعة التي نشأت فعلاً بين الروم الملكين وروما.وحاول المرسلون إحياء اتفاقات المجمع الفلورنتيني الذي أعاد عام 1439لفترة الاتحاد بين روما والكنائس الشرقية.

الفصل الثالث

1- الوضع العام في كنيسة إنطاكية آخر القرن السابع عشر وأوائل الثامن عشر:

في آخر القرن السابع عشر وأوائل للثامن عشر اجتازت كنيسة إنطاكية فترة داخلية عصيبة ذات نتائج وخيمة مهلكة. واستغل محاربو الأرثوذكسية هذه الأزمة، وسببوا خلافاً داخلياً وانشقاقاً. فبعد موت البطريرك الأنطاكي مكاريوس الثالث (1672) طلب الشعب أن يكون مطران حماه نيوفطس الذي من خيُّس والحبر المجرَّب في الخدمة والعمل، قائمقاماً بطريركاً. غير أن قسطنطين حفيد مكاريوس وابن الأرشيدياكون بولس بذل مالاً كثيراً للباشا الوالي التركي في دمشق، وأيده عدد قليل من دمشق، وتمكن أن يحتلّ ليس فقط القائمقامية البطريركية، بل الكرسي البطريركي نفسه إذ صار بطريركاً، 2 تموز 1672، باسم كيرللس الخامس، وكان يومئذ ابن خمس عشرة سنة، وقد أثار بسبب حداثة سنه ضحك المسيحيين واشمئزازهم، وقد احتجَّ المسيحيون مع رؤساء الكهنة فوراً إلى البطاركة الأرثوذكسيين بعريضة رفعوها من بيروت 28 آب 1972 إلى البطريرك المسكوني ديونيسيوس الرابع موسوليمس، والعريضة مكتوبة بالعربية ولكنها وصلت إلينا في نسخة ترجمة يونانية، يسرد فيها الكاتبون أنه بعد موت البطريرك مكاريوس التام المسيحيون ورئي حسنا أن يعين قائمقاماً بطريركاً للكرسي متروبوليت حماه ريثما يرسل إلى القسطنطينية رسول، ويطلب انتخاب بطريرك جديد، وتستريح كنيسة أنطاكية مما أصابها من البلاء في أيام الراحل مكاريوس الحلبي ومن أبناء أبنائه. إلاّ أنّ الوالي أجبرهم بالتهديد أن يتراجعوا وأن تقدّم له عرضة في ذلك. “وعندها تسلّم توقيعات الكهنة ومن معهم، وخرج كيرللس مع زبائنه واستقرضوا الستة آلاف غرش بفائدة وأعطوها لصاحب الوالي، وهكذا ذهب كيرللس إلى السراي ولبس جبة جوخ … وأمر الكهنة أن يلبسوه المنتية وأن يرتلّوا “بواجب الاستحقاق”. وصعد إلى العرش وبارك الموجودين كبطريرك قبل الشرطونية”.

وكان المسيحيون ينظرون هذا الأمر فيتنهدون وينحبون ويتمنون الموت لذلك الولد المارق.

وبعد ذلك يروي رؤساء الكهنة والمسيحيون أصحاب العريضة المقدمة أن الأرثوذكسيين المشمئزين من هذا الغاصب للكرسي بههذه الطريقة، قاطعوا الكنائس وصار البعض منهم يذهبون إما إلى كنائس “اللاتين” أو السريان أو الأرمن. وصاروا هزءاً وعبرةً لبقية الطوائف المسيحية بسبب كيرللس القاصر والعاري من كلّ تهذيب وفضيلة.

2- النزاع القائم بين البطريرك كيرللس ونيوفيطس على الكرسي البطريركي:

ولقد اتخذ أثناسيوس ابن الدبّاس دوراً فعالاً في تلك الأحداث المحزنة وقد روى بشكل مختصر ما حدث في العريضة التي قدمت من الكهنة والمسيحيون. واتفق أن بطريرك أورشليم (دوسيثيس الثاني 1669-1707 تعرّف شخصياً على الحالة الراهنة بسبب كيرللس الذي احتل الكرسي الأنطاكي غصباً وبسلطان الأتراك. وعرض الأمر على البطريرك القسطنطيني ونيسيوس الرابع، الذي دعا إلى مجمع حضره بطريرك أورشليم عمد إلى تجريد كيرللس من نعمة رئاسة الكهنوت والبطريركية استناداً إلى القوانين الإلهية الشريفة

وفي اليوم نفسه عمد المجمع إلى ملء الكرسي بتجريد كيرللس وانتخب مطران حماه نيوفيطس بطريركاً على أنطاكية. .. ولكن كيرللس لم يعترف بهذا التجريد ولم يتنازل عن الكرسي معتبراً نفسه بطريركاً على أنطاكية وبدأ الصراع بين كيرللس ونيوفيطس تسبب في فوضى عظيمة

3- النزاع القائم بين البطريرك كيرللس وابن الدباسّ على الكرسي البطريركي:

إلى مثل هذه الحالة المحزنة كانت كنيسة أنطاكية قد وصلت. ومن سوء الحظ بعد سنتين من استقالة نيوفيطس وخلوص البطريركية لكيرللس ظهر إلى الساحة بغير سابق توقع إطلاقاً، مطالبٌ جديد بالكرسي البطريركي، هو أثناسيوس الدبّاس. فالفريق المعارض لكيرللس سعى بانتخاب البطريرك الجديد في عام 1686. ولم يكن كيرللس مستعداً أن يتراجع ولا في هذه المرة، فبدأ بين الاثنين شحناء جديدة. وكان الدباس عالماً علامة، وأهلاً للصعاب والأزمات. وتفاصيل الصراع بين كيرللس وأثناسيوس، الواحد مترئس في دمشق والآخر في حلب، ليست معروفة. ومن الطبيعي أن يكون الاكليروس والشعب قد انقسموا إلى معسكرين متعارضين، الواحد يعترف بكيرللس والآخر بأثناسيوس، حتى عام 1694 تشرين الأول، ووقع بينهما اتفاق انتهى إلى الاعتراف بكيرللس وانسحاب أثناسيوس إلى حلب واكتفائه بها.

الفصل الرابع:

1- البطريرك أثناسيوس ابن الدباس: (1686-1694):

وترملت أبرشية حلب وجد أبناؤها في التفتيش عن اكليريكي لائق. فاهتم المرسلون اللاتينيون للأمر ووجهوا الأنظار شطر المدينة المقدسة مشيرين إلى بروكوبيوس رئيس دير بيت لحم لأجل تمكنه في الإيمان الروماني المقدس عوض كيرللس الذي كان مشاقاً… وكان كيرللس يطوف في الأبرشية فتم غيابه انتداب بروكوبيوس بطريركاً على أنطاكية بحضور ثلاثة من المطارنة هن لاونديوس مطران صيدنايا ويواصف مطران طرابلس ومطران حوران. ودعي أثناسيوس . فلما نما خبر ذلك إلى كيرللس أرسل إلى الأستانة واستحضر أوامر وبراءة سلطانية شريفة ودخل دمشق ووضع يده على دار البطريركية. وأما أثناسيوس فسكن في امطوش مار ميخائيل ثم انتقل إلى حلب.

وفي العاشر من نيسان 1687 كتب أثناسيوس إلى سفير فرنسا في القسطنطينية يؤكد أنه نشأ كاثوليكياً في دمشق بفضل الآباء اليسوعيين وأنه أرسل منذ بضعة أشهر اعترافه بالإيمان الكاثوليكي على يد الآباء الفرنسيسيين إلى الحبر الأعظم. ثم يرجو السفير أن يكون بظل حماية ملك فرنسا وأن يستمد هذه الحماية في وقت الضرورة وأن يحظى بها حينما يطلبها. ويضيف أنه يلتمس مراقبة خصومه خصوم الكنيسة الرومانية ومنعهم عن إيقاع الضرر به لدى الباب العالي

وصورة اعتراف أثناسيوس بالإيمان الكاثوليكي كتبت في الرابع من تموز 1686 قبل وصوله إلى البطريركية بسبع أسابيع: وعنوانها: “صورة اعتراف أثناسيوس البطريرك الأنطاكي على جماعة الروم”. وقامت الشرور والفتن وتحزّب قسم لهذا وقسم لذاك. وحرم كل منهم الآخر. وفي 6 حزيران 1687 اعترفت رومة بأثناسيوس بطريركاً على أنطاكية. وانتدب سلفستروس الدهان لأسقفية بيروت. ونجم عن هذا الشقاق خسائر جسيمة واختباطات واضطرابات. وهدد بعض الأساقفة والأعيان بانتخاب بطريرك ثالث. فحزن أثناسيوس من هذه الأمور ومن نفقات السياسة. وأحبَّ السلام والهدوء للكنيسة فتنازل لكيرللس في تشرين الأول 1694. وتصالح الطرفان على ان تكون البطريركية لكيرللس وأن تعطى أبرشية حلب لاثناسيوس يقيم فيها ويعيش من دخلها ودخل ادلب وكلس وعلى ان يحتفظ بلقب بطريرك إلى أن يتوفى أحدهما فينفرد الآخر بالبطريركية ولا ينتخب لها غيره. وتقرر هذا كله في مجمع الأساقفة ووافق عليه عموم أهالي دمشق وحلب. وكن رومة لم ترضَ عن هذا الوفاق ولم يغترف حبرها أنوشنسيوس الثاني عشر به بل حضّ أثناسيوس على العودة إلى الكرسي البطريركي

2– أثناسيوس والرعاية:

  • · أول مطبعة في حلب:

بعد أن تمَّ الصلح بين كيرللس واثناسيوس، قام أثناسيوس إلى القسطنطينية وبلدان الدانوب، البغدان والفلاخ، لطلب مساعدات للشعب المسيحي في سوريا المصاب بضربة الوباء العظيم. واستقبل في كل مكان بالحفاوة والإكرام، وخصوصاً عند الأمير “قسطنطين” أمير باسارابيا. هذا استقبله، كما يخبر هو نفسه، بكل إكرام واعتبار، وعيَّن له معاشاً واتخذه اباً روحياً له، وكان يتحدث إليه ويسائله عن أحوال بطريركية إنطاكية. ولما علم أن لغة المسيحيين الأرثوذكسيين في سورية هي اللغة العربية، وأن لهم حاجة إلى المطبوعات العربية، أمر بصنع حروف عربية، فأسس مطبعة عربية وطبع كتباً عربية على نفقته. وتشرفت الطباعة العربية بطبع “الليتورجية الأرثوذكسية” باليونانية والعربية، وكتاب “السواعي الكبير” و “تاريخ بطريركية أنطاكية” ولعلّه أُلفَّ باليونانية، وقد تُرجم إلى اللغة الرومانية من أجل الزعيم الروماني. ولما عاد إلى حلب نقل المطبعة معه وتابع تآليفه وإصدار مطبوعاته. ثم نقلت إلى دير البلمند. والتقليد البلمندي يفيد أن هذه المطبعة انتقلت فيما بعد إلى دير مار يوحنا الشوير مع من أمه من الرهبان الموالين لرومة.

  • · أثناسيوس والتعاليم غير الأرثوذكسية:

عندما عاد أثناسيوس من بلاد الفلاخ وبلغ دمشق 1720، كان كيرللس قد وقف جميع متروكاته على الكرسي البطريركي، فلما استتب الأمر لاثناسيوس وجد معظمها مندثراً فأخذ الغيظ منه كل المأخذ. وزاد غضبه بما لاحظه من نشاط رهبان الإفرنج وتدخلهم في شؤون الكنيسة. ولما كانت وسائل أثناسيوس المادية ضعيفة لا تساعده على محاربة رهبان الفرنجة بسلاحهم، تذاكر في ذلك مع البطريركية المسكونية ثم سافر إلى القسطنطينية بنفسه وأجهد في عقد مجمع للنظر فيما يجب اتخاذه من احتياطات بهذا الشأن.

فانعقد هذا المجمع في أواخر 1722 في القسطنطينية برئاسة ارميا البطريرك المسكوني واشتراك أثناسيوس البطريرك الأنطاكي وخريسنتس البطريرك الأورشليمي واثني عشر مطراناً، وحكم هذا المجمع :

– على التعاليم غير الأرثوذكسية ولا سيما ما يتعلق منها بالرئاسة والعصمة والانبثاق من الابن والفطير والنار المطهرية وسعادة القديسين والمخنوق وصوم السبت ومنع الميرون والمناولة على الأطفال.

وحررت أعمال المجمع باليونانية والعربية وانتشرت في لبنان وسورية وفلسطين

  • · أثناسيوس وصوم الرسل:

كان كيرللس الثالث قد سعى لدى المقامات الأرثوذكسية العالية في اختصار صوم الرسل، فلما استولى أثناسيوس على سدة الرسولين جاءه سينذيكون يفوض أمر حلّ هذا الثقل إليه. فأصدر منشوراً رعائياً جعل فيه صوم الرسل اثني عشر يوماً بعدد الثني عشر رسولاً وذلك: “لكي من يصوم لا يدين من لا يصوم ومن لا يأكل لا يدين من يأكل” وبيّن الأسباب التي أوجبت هذا الاختصار

  • · أثناسيوس والطقوس الدينية:

عني أثناسيوس وهو لا يزال بطريركاً سابقاً بالطقوس الدينية فطبع في 1701 في مدينة بوخارست في حقلين يوناني وعربي بحبر اسود فأحمر كتاب الليتورجيات الثلاث. واعتمد في النص اليوناني ما كان قد طبع سابقاً في مدينة البندقية وتبنى للنص العربي ترجمة ملاتيوس كرمة، فظهر الكتاب في 252 صفحة من القطع المتوسط. وجاءت طروباريات وقنداقات أعياد المشاهرة وأعياد الخمسين والتريودي مطبوعة باليونانية والعربية في حقلين متقابلين

  • · كتاب الصخرة، وتاريخ البطريركية الإنطاكية:

رأى أثناسيوس أن يزود الأرثوذكسيين بما يثبت إيمانهم ويمكنهم من الرد على رهبان الفرنجة وأتباعهم فنقل كتاب “ايليا مونياتي” إلى العربية واسماه صخرة الشك ونشره مطبوعاً 1721 ووزعه مجاناً على أبناء الطائفة. وفي هذا الكتاب بيان بدء الانشقاق وأسبابه وانفصال الكنيسة الغربية عن الشرقية والاختلافات الكليّة بينهما. وكان أثناسيوس يبتغي إيقاف تقدّم اللاتين في سورية.

وصنف أثناسيوس تاريخاً لبطريركية أنطاكية من زمن بطرس الرسول حتى السنة 1702 ودونه باللغة اليونانية فترجم إلى اللاتينية وطبع في فيينا عاصمة النمسا. وشرح كتاب التعليم المسيحي وكتاب الحكيم والعالم وألف سيرة القديس خريستوذولس رئيس دير الرسول يرحنا اللاهوتي الذي كان في جزيرة بطمس.

  • · أثناسيوس ودمشق ومحاربة الكثلكة:

صمم أثناسيوس على محاربة الكثلكة في دمشق وأصر على ذلك. فكتب في الرابع من كانون الأول 1722 إلى لاونديوس متروبوليت حماه ووكيله في دمشق أن يجمع الكهنة والشمامسة والوكلاء والأعيان ويكلمهم فيما جرى ويأمرهم بالتمسك بالتقاليد الأرثوذكسية من دون زيادة أو نقصان وبكتابة محضر بذلك يبين واقع الحال ويقنع البطريرك القسطنطيني وسائر المطارنة. وأمر لاونديوس أن يفهم الدمشقيين أن بطريركهم يتبع الكنيسة الشرقية والمجامع المقدسة السبعة وأنه يؤمن بجميع ما قالوه وحددوه من القوانين والطقوس والرتب والاصوام والصلوات جميعها. فإن قبلوا هذا الرأي وأعطوا خطوط أيديهم به جاز وبقي هو على ما كان عليه من الاهتمام بهم. وإن لم يمتثلوا فليس على لاونديوس إلا أن يعلم البطريرك بذلك ليرفع يده ويتركهم “يعملون خلاصهم”. وإن طاعوا رضي عنهم. ولكنه يصر على ربط الخوري خليل خبية والخوري عبدالمسيح زبال والقس يوحنا خبية والقس نقولا سيور. وان لم يحفظ هؤلاء الرباط البطريركي وقعوا في الحرم بكلمة الرب العزيز. وكذلك من تعصب معهم وشوش فهو محروم أيضا.

الفصل الخامس: وفاة البطريرك أثناسيوس

كبر أثناسيوس وتجاوز الخامسة والسبعين. وكان قد أصابه استرخاء في مثانته فتوفي في الرابع والعشرين من تموز 1724 ودفن في جرن أعده لنفسه في كنيسة حلب. وجاء للخوري ميخائيل بريك أنه مات مسموماً. وجاء في تاريخ البدع لجرمانوس فرحات انه لما دنت ساعة وفاة البطريرك جاءه الأب فروماج اليسوعي وفاتحه كلاماً في سرّ الاعتراف فأبى أن يعترف عنده وقال لقد اعترفت. وأضاف جرمانوس أن البطريرك اعترف على يد الخوري بطرس الأشقر الأرثوذكسي رئيس دير مارجرجس الحميرا وأنه مات أرثوذكسياً.

المراجع:

–       الباشا، الخوري قسطنطين، تاريخ الطائفة الملكية، ج1.

–       بابادوبولوس، خريسوستمس، تاريخ كنيسة انطاكية، تعريب الاسقف استيفانوس حداد، منشورات النور، 1984.

–       بريك، الخوري ميخائيل، الحقائق الوضيّة في تاريخ الكنيسة الانطاكية الارثوذكسية، المطبعة التجارية بمصر.

–       فرحات، المطران جرمانوس، ديوان البدع، ج1.

–       رستم، أسد، كنيسة مدينة الله إنطاكية العظمى، الجزء الثالث (1453-1928)، مطبعة دار الفنون

Leave a comment