الألم

الألم

إعداد راهبات دير مار يعقوب الفارسي المقطّع، دده – الكورة

من المفروض أن يفرح الإنسان إبّان الألم، ولكن في الواقع الفرح صعب في مثل هذه الحالات، فما هو الحلّ؟ لقد امتزج في المسيحيّة الم والفرح في نسيج واحد. فالقدّيس بولس الرسول يقول: “افرحوا بالربّ كلّ حين وأقول أيضاً افرحوا”. لقد قال هذه الكلمات وهو مسجون في السجن. وقد يسأل سائل: كيف نفرح وسط الألم والضيقة؟ لو أردنا فعلاً أن نفرح ونتغلّب على الحزن والألم علينا أن نتجرّع هذه الأدوية الأربعة: (1) اصرخ. (2) أشكر. (3) ثق. (4) ارفع رأسك.

أصرخ: ليس من العيب أن يصرخ الإنسان أثناء الوجع والألم، فالمشكلة أحياناً تكون أكبر من أن أتحمّلها، وأكبر من أحافظعلى هدوئي. في هذه الحالة أصرخ ولا تحجل. ولكن لمن نصرخ؟ نصرخ لواحد فقط، لذاك الذي إن قال كلمة، فكلمته نافذة، للمسيح المخلّص. ولقد قال قائل: من يصرخ في ألمه يرى الله. فإذا كنّا نريد أن نفرح وسط الآلام يجب أن نصرخ، وعندما نصرخ، فالله يتصرّف بطريقة من الاثنتين: إمّا ن يرفع الألم ويحلّ المشكلة، أو يترك المشكلة وعطيك قوّة على احتمالها.

** قصّة على الطريقة الأولى: في أواخر الثلاثينات أثناء الحرب العالميّة انقسم العالم إلى دول الحلفاء ودول المحور. فكانت ألمانيا واليابان وإيطاليا في جهة، وإنجلترا وأمريكا وفرنسا في جهة أخرى، ومصر في ذلك الوقت كانت تحت الاحتلال البريطاني، وإيطاليا كانت تحتلّ الحبشة، وكانت إيطاليا ضدّ بريطانيا، وكان كبير المسيحيّين في أثيوبيا هو المطران القبطي … الإيطاليّون قاموا بحبس المطران في غرفة فوق سطح المطرانيّة، وأغلقوا عليه النوافذ بألواح من الخشب، علمًا بأنّ درجة الحرارة في أثيوبيا تصل إلى 50 درجة، ومنعوا عنه الماء والطعام. كان المطران متماسكاً في أوّل يومين في محبسه، لكن عندما زادت درجة الحرارة بدأ ينهار، وقع على الأرض غير قادر يأخذ نفسه فنظر إلى الحائط، وكانت توجد عليه صورة للمسيح باهتة من الشمس، فنظر إلى المسيح وقال له: يا لها من آخرة، أهكذا تدعني يا ربّ أموت في غرفة مقفلة مخنوقاً من دون ماء ولا طعام، وحتّى النفس بات ضيّقاً؟”. فردت الصورة الباهتة، أو بالأحرى ردّ المسيح عليه قائلاً: هل تركتك من قبل حتّى أتركك الآن”. وبعد أيّام علم بابا روما بالموضوع، فتدخّل مع موسوليني رئيس إيطاليا وقال له: لا يجوز أن يموت رجل دين بهذه الطريقة البشعة، أعده إلى بلاده”.

** قصّة على الطريقة الثانية: أمّ لها ابن وحيد ترمّلت وهو في سنّ الحداثة، إذ مات والده وهو في الرابعة من العمر، فتعبت الأمذ من أجله، وفي سنّ الشباب انتقل الابن إلى السماء، فأصبحت لا تطيق اسم الربّ، وعندما كان البعض يذهبون لتفقّدها كانت تطردهم. وذات يوم زارها أحد الآباء، فارتبكت عندما رأته واضطربت لا تدري أتدعه يدخل بيتها أم لا. ثمّ قالت له إذا كنت تريد الدخول ادخل، ولكن لا تذكر لي شيئاً عن الله. فوافق الكاهن، وكان يقدّر جرحها الكبير. بقيت السيّدة تتكلّم بالسوء على الكنيسة وكهنتها وعلى الله نفسه والكاهن صامت لا يتكلّم. وفي نهاية المطاف قالت له بغيظ: تعال معي لأريك شيئاً. فأدخلته أحدى الغرف فوجد فيها صورة معلّقة على الحائط بشكل مقلوب. فقالت له: هذه صورة المسيح، ولقد وضعتها أنا مقلوبة لأن] لا أريد أن أنظر وجهه بعما أخذ لي ابني، سيّما وأنتم تقولون بأنّه إله طيّب وحنون”. فقال لها الكاهن: حسناً ما فعلت يا ابنتي، دعي الصورة على هذا الشكل، ولكنّي أطلب إليك أن تقولي للصورة في ذهابك وإيابك: لن أغيّر وضعك لأنّك حرقت لي قلبي”. انذهلت السيّدة من هذا الكلام سيّما وإنه صادر عن كاهن. وبعد ثلاثة أيّام كان الكاهن في الكنيسة يقبل اعترافات المؤمنين، وإذا به يرى أمامه السيّدة ومعها صورة المسيح وهي تحتضنها وتبكي. وقالت للكاهن: “أوّل يوم عملت كما قلت لي وكذلك في اليوم الثاني، وفي اليوم الثالي لم أستطع، بل أمسكت بالصورة ووضعتها في شكلها الصحيح واحتضنتها وقلت له سامحني يا ربّ. ولمّا قلت هذا شعرت بقوّة في داخلي جعلتني أتغلّب على أحزاني”. نعم لقد علّمها الكاهن أن تصرخ وهي في ذروة ألمها إلى الربّ. فلا تستكبر يا أخي لأنّه مهما كان مركزك وكرامتك وسنّك، فأمام الألم لا يوجد كبير.

** اشكر الألم يرفعك لمرتبة شركة آلام المسيح. يا له من إنسان فاضل ذاك الذي يتقبّل الألم بشكر لأنّه انتقل إلى مرتبة مشاركة آلام المسيح، ولذلك يقول الكتاب المقدّس: “وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا فقط بل أن تتألّموا لأجله”. وهكذا أصبح الألم في المسيحّية هبة ونعمة. فالتلاميذ حين سُجنوا “خرجوا فرحين متهلّلين إذ حُسبوا أهلاً أن يهانوا من أجل اسمه” كما يكتب سفر أعمال الرسل. هذا هو الفكر الروحي، وهؤلاء هم القدّيسون، وأنتم أولاد القدّيسين. صحيح أن الشكر صعب جدّاً في وقت المحنة، ولذلك فإنّ أعظم عطيّة هي أن تشكر وأنت تتألّم.

** قصّة: شابّ ضابط في الجيش له 28 سنة انقلبت به سيارة الشرطة وأصيب بكسر في أوّل فقرة من العمود الفقري، فأصبح مشلولاً كلّيّاً. طُلب منّي أن أذهب إليه لأعزّيه، فاضطربت جدّاً وقلت ماذا سأقول له؟ ولكنّي، والحق أقول، بأنّي أخذت درساً منه لا ينسى، إذ وجدته شخصاً متهلّلاً جدّاً، فتعجّبت منه وقلت له: إنّي أراك في صحّة جيّدة والحمد لله، وأراك مسروراً فهل أستطيع أن أعرف سبب هذا الفرح؟ فقال: بالفعل يا أبونا أنا فرح جدّاً، إنّي اشكر الربّ، فالرعاية هنا في المستشفى ممتازة، انظر يا أبونا، ممرضتين ممتازتين تأتياني بين ساعة وأخرى لتقلباني كي لا أصاب بالتهاب جلديّ. أترى يا أبونا نعمة ربّنا ومدى عنايته بي، لقد استطعت أن أدرّب نفسي كي أسمع التسجيلات الدينيّة إذ أستطيع بذقني ولساني وأسناني أن أضع الكاسيت في المسجلذة وأسمع طيلة النهار عظات أو تراتيل دينيّة. هل تعلم يا أبونا أن ألله سمح بأن اصاب بهذا الشلل لكي يكرّسني له، فأنا أعيش أحلى لحظات حياتي. أشكرك يا ربّ من كلذ قلبي على هذه الحياة الروحيّة التي لم أكن أحلم أن أعيشها فيما لو كنت صحيحاً معافىً. أشكرك يا ربّ لنّ عنايتك بي تفوق كل عناية، وتعزياتك لي تفوق كلذ تعزية بشريّة. وعندما قال هذا بيت لأنّي لم أكن في قامته الروحيّة، وبكي لأنّي شعرت بأنّي أتكلّم مع قدّيس، أو على الأقل مع إنسان يعيش الله بحرارة، ويشكره بفرح لم أر نثله في حياتي.

*** ثق: نعم ثق أنّ كلذ الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبّون الله، وهذا اسمه اختبار الإميان. كلذنا نهتزذ في المواقف الصعبة في حياتنا. إن أردت أن تعيش الفرح الحقيقيّ لا بدّ أن يكون عندك ثقة وإيمان، وكلّ الأمور ستؤول إلى الخير، وهنا أستطيع أن أذكّرك بقصّة يوسف في العهد القديم، كيف إنّ إخوته باعوه لفرعون مصر (وهنا هي المشكلة) ولكنذ الله صيّره مدبّراً لمصر عندما آمن بأنّ ما حصل كان لخيره(وهنا الإيمان والثقة).

*** ارفع رأسك: انظر إلى السماء وسترى جمال الأكاليل المعدّة للشاكرين والصابرين. كان بولس الرسول يتكلّم الآراميّة والعبرانيّة واللاّتينيّة واليونانيّة، ومع هذا عجزت كلّ هذه اللغات عن وصف السماء “ما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على قلب بشر ما أعده الله للذين يحبّونه” لماذا أصبحنا نخاف من الألم والموت والاضطهاد… لأنّنا عدنا لا ننظر إلى السماء. المأساة التي نعيشها هي أنّنا نتشاجر على على أياء تافهة سنتركها وراءنا، وننسى الجوهرة اللؤلؤة الكثيرة الثمن التي علينا شراءها. من ينظر إلى السماء وأكاليل السماء يفرح ويحتمل ويشكر. لا تخافوا. السماء واسعة وسيملؤها المسيح بأولاده، وأنتم هم. افرحوا بالسماء وارفعوا قلوبكم إليها، وعندها لا يستطيع شيء في الأرض أن يهزمكم. لا بدّ من الألم، ولكن المهمّ أن نعرف كيف نفرح وسط الألم.

Leave a comment