الأولاد والطاعة

الأولاد والطاعة

الشيخ تداوس سترابولوفيتش رئيس دير فيتوفنيكا، صربيا

نقلها إلى العربية ريتشارد صبوح

 

الطاعة تبني والإرادة الذاتيّة تهدم. يجب على الولد أن يتعلّم أن يكون مُطيعًا لأهله ولله. سيذكر كلام أهله كلّ حياته وسيحترم دائمًا أجداده، وليس هؤلاء فقط بل الناس الأصغر سنًّا أيضًا. سيكون مهذّبًا وحريصًا مع الجميع. للأسف، عائلات قليلة ينشئون أولادهم بهذه الطريقة.

الشرّير يسبّب الارتباك في عقول أولادنا ويحاول إحزانهم. يجبّ أن يتعلّم الأولاد الطاعة، خاصّةً قبل عمر الخمس سنوات، لأنّه في هذا العمر تتكوّن شخصيّاتهم. فأثر الطريقة التي تكونّت فيها شخصيّاتهم يبقى معهم بقيّة حياتهم. يجب أن يعلّم الأهل أولادهم الطاعة الكاملة في هذه المرحلة من حياتهم. إذا قال أحد الأهل شيئًا، يجب أن يكون الجواب: “مهما تقول”. اليوم للأسف الأهل لا يعلمون هذا لا بل يعلّمون أولادهم العكس تمامًا.

إذا قال الأهل “إبقَ هنا” فالولد يجب أن يبقى حيث قيل له. لكنّه ولد في النهاية، ولا يستطيع البقاء في مكان واحد. ما يحصل عادةً أنّ الأهل يضربون الولد لعصيانه. هذه ليست طريقة حسنة لتعليم الولد الطاعة. قد تكون أحيانًا ردّة فعل ضروريّة، لكن يجب أن تكون بمحبّة ويجب أن يشعر الولد بهذه المحبّة. لا ينبغي أبدًا أن يضرب الأهل أولادهم بغضب. لأنّه إذا بدأت بمعاقبة أحدٍ وأنت غاضب، لن تصل إلى أيّ مكان. ستؤذي الشخص الذي أمامك، ونفسك أيضًا. إذا أردتَ أن تضع أحدًا على السكّة الصحيحة، يجبّ أن تعلّمه وتنصحه. يجب أوّلًا أن تتّضع وتكلّمه بمحبّة كبيرة. سيقبل إرشادك إذا أُعطِيَ بمحبّة. لكن إذا شئتَ أن تفرض إرادتك الذاتيّة بأيّ ثمن، لن تحقّق شيئًا أبدًا. هذا ما يسبّب ردّة فعل سيّئة عند الأولاد. إذا كان الولد غير مطيعٍ، فالحلّ ليس في ضربه.

الأهل يقسون على أولادهم لأصغر الأمور، وكأنهم لا يعرفون أنّ التكلّم بهدوء ولطف ممكن. عندما يجب أن يضع الأهل حدودًا لولد، يجب أن يشعر الولد بوجود محبّة وراء الصرامة. إنّه خطأٌ كبير أن نعاقب الأولاد في اللحظة التي يخطئون فيها، إذ لن تكون ردّة فعلهم جيّدة. يجب أن ننتظر أن يهدأوا، ومن ثمّ بكثير من المحبّة، نقول للولد أنّه أخطأ ويجب أن يقبل شكلًا من العقاب. إذا تكرّر الأمر نفسه، يُعطى الولد عقابًا أقسى، وبهذه الطريقة، يتعلّم.

إنّ مشيئة الله تعمل فينا عبر أهلنا أو من خلال معلّمينا ومديرينا. إذا كنّا بحاجة أن نصلح تصرّف ولدٍ، فيجب أن نصنع هذا بكثير من المحبّة والإنتباه. إذا كان الأمر الوحيد في بالنا أن نغيّر حياة الولد، فقد أعطيناه صفعةً بأفكارنا. لاحظتُ هذا كرئيس دير: لقد رأيتُ مرارًا أحدًا من الإخوة لا يتصرّف بشكل صحيح، لكن في اللحظة التي أكون فيها على وشك أن أعطيه الملاحطة، أشعر أنّني قد أعطيته صفعةً.

تستطيع أفكارنا أن تكون اقتحاميّة وذات قوّة كبيرة. هذا يصحّ بشكلٍ خاصّ عن أفكار الأهل. يحتاج الأهل أن يكونوا بنائّين مع الكثير والمسامحة عن كلّ شيء. نستطيع أن نسامح الآخرين فقط إذا كانت أفكارنا حسنة وجيّدة. إذا كنّا نمتلك أفكارًا موجّهة نحو إصلاح أخطاء الآخرين، فنكون كمَن يضربهم. بغضّ النظر كم يكون الشخص قريبًا منّا، سيبتعد، لأنّنا قد صفعناه بأفكارنا. ونعتقد أنّ أفكارنا هي لا شيء!

نعاقب أولادنا، لكن بالحقيقة لا حقّ لنا في فعل ذلك، لأنّنا فشلنا في تعليمهم الطريق الصحيح. مرّةً كتبت لي طبيبة: “أنجبتُ ابنًا من زوجي، الذي هو طبيب أيضًا. ابننا حطّم ثلاث سيّارات – الحمد لله أنّه ما زال حيًّا. الآن يريدنا أن نشتري له سيّارة أخرى، لكنّنا لم نعد نقدر أن نشتري. عندما نعود إلى البيت من أشغالنا، يحاول أن يحصل على المال منّا، حتّى بالقوّة. ماذا أستطيع أن أفعل لمعالجة هذه المشكلة؟” قلتُ لها أن الوحيديَن الذَين يُلاما هما نفسيهما. كان لهما ابنٌ وسمحا له أن يفعل ما يشاء، حتّى منذ كان صغيرًا جدًّا. عندما كان صغيرًا، طلباته كانت أقلّ كلفة، أمّا الآن فقد كبرَ وأصبحت طلباته أكبر. الشيء الوحيد الذي يستطيعان الآن فعله هو إعطاء ابنهما الكثير من المحبّة والإهتمام لربّما يعود إلى رشده ويُدرك أنّ الشيء الذي اهتمّ به أهله هو مصلحته. ليس من طريقةٍ أخرى غير المحبّة. هل ترون من هذا المثل كيف نحسّن حياتنا وحياة الذين حولنا، من خلال أفكارنا؟ نرجو أنّ جهودنا في هذا الإتجاه ستأتي بأثمار.

Leave a comment