الذراع المكسورة

الذراع المكسورة

 

عندما كان نبيل عائدًا إلى المنزل في ساعة متأخّرة من الليل بعد سهرة مع أصدقائه صاخبة، انزلقت قدمه وسقط على الأرض، وأخذ يصرخ من الألم والخوف معًا، فسمعه سكّان أحد المنازل القريبة ونقلوه إلى المستشفى. وهناك علم من الطبيب بأنّ ذراعه الأيسر قد كُسر، وبأنّه يحتاج إلى عمليّة جراحيّة، وأنّه سيبقى بضعة أيّام في المستشفى.

وأثناء الليل، وإذ كان متألّمًا جدًّا لم يستطع أن ينام، ولكي يبعد عنه الشعور بالألم، تناول المجلّة التي كانت أخته قد اشترتها له، وأخذ يقرأ فيها هذا الحوار الممتع الذي جرى بين ذراع أيمن صحيح وذراع أيسر مكسور. شدّه هذا الحوار، إذ وجده يماثل حاله، فقرأ ما يلي: قال الذراع الأيمن للأيسر:

– بالحقيقة، أيّها الذراع المحبوب، إنّنا لا نفتقدك بالكلّيّة، لأنّ كلّ الأعضاء مسرورة بأنّ الكسر قد لحق بك وليس بي، فمن دوني يعجز الجسد كلّه عن إداء مهمّته، أمّا أنت فلست مهمّا بهذا المقدار.

– فأجاب الذراع الأيسر باتّضاع: أنا أعلم أنّك عضو هامّ جدًّا، وأنّك أعظم منّي بما لا يقاس.

– لقد نطقت بالصواب، فبدون مساعدتي لا يستطيع صاحبي أن يكتب رسالة ما، ولا أن يمسك القلم.

– ولكن، يا صاحبي، من الذي يمسك بالورقة حين يكتب صاحبك الرسالة؟

– لا يهمّ. لكنّه يستخدمني، دومًا، عندما يحتاج أن يطرق شيئًا بالمطرقة.

– هذا صحيح. ولكن من يمسك له المسمار؟

– وهذا أيضًا غير مهمّ. ولكن انتبه من منّا يمسك قبّعة صاحبنا عندما يريد أن يحيّي بها أصدقاءه وجيرانه؟

– ولكن لكي يسلّم على معارفه بارتياح، أسرع أنا وأمسك له حقيبته الصغيرة.

– (باستخفاف) ولكنّه يستطيع أن يضعها على الأرض أيضًا، ويقدّم السلام والتحيّة.

– واليوم عندما وقع وكُسرت أنا، تُرى من ساعده في ارتداء ملابسه؟ نعم، أيّها الذراع الأيمن، لا شكّ أنّه لا يستطيع أن يستغني عن خدماتك، ولكنّه، في الوقت نفسه، يحتاجني، أنا أيضًا، إذ من دوني لا يستطيع أن يمارس الكثير من أعماله. إنّه محتاج إليك كما هو محتاج إليّ. فكفانا هذرًا وثرثرة، وهلمّ نعمل معًا، لأنّ لكلّ منا دوره.

وهنا طأطأ الذراع الأيمن رأسه إذ وجد أنّ الذراع الأيسر مصيب في قوله.


أحبّاءنا، لكلّ واحد منّا دوره في هذه الحياة، وكلّ منّا يحتاج إلى الآخر مهما قلّت أهمّيّته أو مواهبه. كلّ واحد منّا عزيز وحبيب على قلب الربّ، فلا نستخفّنّ أو نزدرينّ بأحد، بل لنتكاتف مع بعضنا البعض لتنجح أعمالنا، وتستقيم كلّ أمورنا سواء أكان هذا في البيت أو في المدرسة أو في الكنيسة أو في أيّ مكان وُجدنا فيه. ولكي تصدّقوا قولنا هذا دعونا نقرأ معًا هذه القصّة اللطيفة:

اعتادت النملة “سرور” أن تعود كلّ يوم إلى حجرتها متهلّلة. كانت تروي للنمل أصحابها عن الخالق المبدع الذي أوجد هذا العالم الجميل. فكانت تخلق جوًّا من الفرح. وإذ عادت، يومًا، وهي تغنّي وتسبّح الله، سألها أصحابها: “قولي لنا ما الذي أعجبك اليوم يا سرور؟ نراك متهللة جدًّا أكثر من أيّ وقت مضى”. فقالت لهم سرور: “بعد أن انتهيت من عملي معكم انطلقت أتمشّى على إحدى الصخور، ووقفت أتأمّل السماء الزرقاء الجميلة. فعبرت بي يمامة تطير، كان جناحاها الجميلان أشبه بمروحتين رائعتين. فقلت لها: “يا لك من يمامة جميلة! لقد أبدع الخالق فأعطاك جناحين جميلين، وصوتًا عذبًا. إنّي أرى لمسات الخالق المبدع واضحة فيك”.

وبينما كنت أتحدّ      ث معها إذا بتيّار جارف يقتحم المكان، فانجرفتُ في الماء. أسرعت اليمامة إليّ، وقد أمسكت بمنقارها فرعًا صغيرًا من الشجر تسلّقتُ عليه، ثمّ انطلقت بي اليمامة تحملني بعيدًا عن الماء. لقد أنقذتني من موت محقَّق! شكرتُها على محبّتها ولطفها وحنانها.

وبعد قليل نامت اليمامة على فرع شجرة، وإذا بصبيّ يراها، فأمسك بمقلاع ليصوّب حجرًا عليها ليصطادها. أسرعتُ إليه ولدغتُه في قدمه فصرخ وقفز. استيقظت اليمامة وطارت في الجوّ، ولم يستطيع الصبيّ أن يصطادها. لقد أنقذتُها من يد الصبيّ القاسية. إنّي أشكر الله الذي أعطاني أن أنقذ اليمامة. حقًّا إنّي محتاجة إليها، وهي محتاجة إليّ! ليت البشر يدركون ذلك، فلا يحتقر أحدهم الأخر. القويّ محتاج إلى الضعيف، كما يحتاج الضعيف إلى القويّ. الكبير يحتاج إلى الصغير، كما يحتاج الصغير إلى الكبير”.

 

 

 

 

Leave a comment