كيف نُنشئ زاوية أيقونات في بيتنا؟

كيف نُنشئ زاوية أيقونات في بيتنا؟

سيرج ألكسيف

نقلها إلى العربية ريتشارد صبوح

الكميّة والنوعيّة شيئان مختلفان. من البساطة أن نفترض أنّه كلّما زادت الأيقونات المقدّسة في البيت المسيحيّ الأرثوذكسيّ، تكون حياة العائلة أكثر تقوى. إنّ مجموعة أيقونات وصُوَر ورزنامات دينيّة غير مرتّبة وتغطّي مساحات كبيرة ممكن أن تؤثّر سلبًا على حياة الإنسان الروحيّة. وقد تتحوّل مجموعة أيقونات غير مدروسة إلى شيءٍ من دون معنى، ولا يبقى لهدف الأيقونة الصلاتيّ أيّ مكان. لا شكّ أنّ وجود عدد كافٍ من الأيقونات في بيتنا شيءٌ ضروريّ، لكن ضمن المعقول.

في الماضي، في الريف والمدينة، كان بيت كلّ عائلة أرثوذكسيّة يحتوي على رفّ من الأيقونات، أو أيقونسطاس كامل، في أكثر مكان مرئيّ من البيت. وهذا المكان حيث توضَع الأيقونات يُسمّى الزاوية الأماميّة أو الزاوية الجميلة أو الزاوية المقدّسة أو مكان الله.

بالنسبة للمسيحيّين الأرثوذكس، الأيقونة ليست فقط تصويرًا للربّ يسوع المسيح أو والدة الإله أو القدّيسين أو أحداث من التاريخ المقدّس وتاريخ الكنيسة. الأيقونة هي صورة مقدّسة؛ أي أنّها خارج نطاق الحقيقة الإعتياديّة، ومقصدها هو فقط الإتّصال بالله. تاليًا الغاية الأساسيّة من الأيقونة هي الصلاة. الأيقونة نافذة من عالمنا، العالم الأرضيّ، على العالم العلويّ. هي كشف الله في الشكل واللون.

هكذا، الأيقونة ليست فقط إرثًا عائليًّا يُسلَّم من جيل إلى جيل، بل هي شيءٌ مقدّس يوحّد جميع أعضاء العائلة في الصلاة المشتركة؛ لأنّ الصلاة معًا تحصل فقط إذا كان الواقفون قبالة الأيقونات قد سامحوا بالتبادل أخطاء بعضهم البعض وحقّقوا الوحدة.

اليوم، طبعًا، التلفاز – الذي هو في ذاته نافذة على عالم الأهواء البشريّة المتنوّعة – أخذ مكان الأيقونات في البيت. فُقِدت غاية الأيقونة العائليّة، وتقليد الصلاة المشتركة في البيت، ووعي العائلة ذاتها ككنيسة صغيرة.

قد يسأل المؤمن المسيحيّ الأرثوذكسيّ اليوم: أيّة أيقونات يجب أن أقتنيها في بيتي؟ كيف أرتّبها؟ هل أستطيع أن أستخدم نُسخًا من الأيقونات؟ ماذا أفعل بالأيقونات القديمة المهترئة؟ بعض هذه الأسئلة بحاجة إلى أجوبة واضحة دقيقة، بينما بعضها لا يتطلّب توصيات صارمة.

أين يجب أن نضع الأيقونات في البيت؟

في مكان حرّ ويمكن البلوغ إليه. الإيجاز في هذه الإجابة سببه واقع الحياة. طبعًا من الأفضل وضع الأيقونات على حائط الغرفة الشرقيّ، لأنّ الشرق كمفهوم لاهوتي له دلالة خاصّة في الأرثوذكسيّة.

“وَغَرَسَ الرَّبُّ الإِلهُ جَنَّةً فِي عَدْنٍ شَرْقًا، وَوَضَعَ هُنَاكَ آدَمَ الَّذِي جَبَلَهُ” (تكوين 2: 8).

“تَطَلَّعِي يَا أُورُشَلِيمُ مِنْ حَوْلِكِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَانْظُرِي الْمَسَرَّةَ الْوَافِدَةَ عَلَيْكِ مِنْ عِنْدِ اللهِ” (باروخ 4: 36).

“ثُمَّ رَفَعَنِي رُوحٌ وَأَتَى بِي إِلَى بَابِ بَيْتِ الرَّبِّ الشَّرْقِيِّ الْمُتَّجِهِ نَحْوَ الشَّرْقِ” (حزقيال 11: 1).

“لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ الْمَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إِلَى الْمَغَارِبِ، هكَذَا يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ” (متّى 24: 27).

لكن ماذا يجب أن نفعل إذا كان على الجهة الشرقيّة من المنزل نوافذ أو أبواب؟ في هذه الحالة، نستعمل الحائط الجنوبيّ أو الشماليّ أو الغربيّ.

لا يجب أن نخلط بين الأيقونات والأشياء الجماليّة ذات الطبيعة العالميّة، كالتماثيل ومختلف أنواع الصُوَر، إلخ. من غير المناسب وضع الأيقونات على رفّ كتب، إلى جانب كتب لا تشارك الإيمان الأرثوذكسيّ شيئًا أو التي تعارض التعليم المسيحيّ. لا يجوز أبدًا وضع الأيقونات إلى جانب ملصقات أو رزنامات تصوّر فنّانين أو ريّاضيّين أو رجال سياسة – أوثان وصوَر العصر الحاضر. هذا لا فقط يقلّل من الإحترام والوقار للصوَر المقدّسة إلى حدّ غير مقبول، بل أيضًا يضع الأيقونات المقدّسة في مساواة مع صوَر وأوثان العالم المعاصر.

يمكننا تزينن زاوية الأيقونات في البيت بأزهار حيّة. تقليديًّا تُحاط الأيقونات الكبيرة بمنديل. هذا التقليد قديم وله  أساس لاهوتيّ. بحسب التقليد، ظهرت صورة للمخلّص بشكل عجائبيّ على منديل خلال حياته على الأرض، من أجل مساعدة إنسان في ألم. بعد أن غسل المسيح وجهه، مسحه بمنديل نظيف، فظهرت عليه صورة وجهه. أُرسِل المنديل إلى الملك أبجر الذي كان مصابًا بالبرص في مدينة إيديسّا في آسية الصغرى. وإذ شفي الحاكم، اعتنق هو وحاشيته المسيحيّة، والصورة غير المصنوعة بيد ليسوع المسيح ثُبّتت على لوح دائم ورفعَت فوق بوّابات المدينة.

في الماضي، 29 آب، وهو اليوم الذي تعيّد فيه الكنيسة لنقل الصورة غير المصنوعة بيد لربّنا يسوع المسيح من إيديسّا إلى القسطنطينيّة سنة 944،  معروفٌ بين الشعوب بعيد المنديل، وفي بعض الأماكن كانت تُبارَك الأقمشة والمناديل المصنوعة من غزل الصوف. هذه المناديل المطرّزة كانت تُحفظ لاستعمالها في زاوية الأيقونات.

كذلك، كانت الأيقونات تُحوَّط بالمناديل لاستعمالها في الأكاليل وتكريس الماء. هكذا، مثلًا بعد خدمة تكريس الماء، عندما يرشّ الكاهن الأيقونات بمياه مقدّسة، كان الناس يمسحون الأيقونات بمناديل خاصّة ويضعونها في زاوية الأيقونات. هناك عادة في الإحتفال بِعيد دخول الربّ إلى أورشليم (أحد الشعانين)، تُبقي إلى جانب الأيقونات أغصان صفصاف تمّت مباركتها في الكنيسة، حتّى أحد الشعانين في السنة التالية. من المعتاد أنّه في العنصرة، يوم الثالوث القدّوس، تُزيّن البيوت والأيقونات بأغصان البتولا كرمز للكنيسة المُزدهرة، حاملة قوّة الروح القدس المملوءة نعمة.

ما هي الأيقونات التي يجب أن تكون في بيتنا؟

من الأساسيّ وجود أيقونتَي المخلّص ووالدة الإله. أيقونة الربّ يسوع المسيح التي تشهد على التجسّد وخلاص كلّ البشر، وأيقونة والدة الإله – الأكثر كمالًا بين البشر، التي صارت مستحقّة للتألّه، وهي أكرم من الشاروبيم، وأرفع مجدًا بلا قياسٍ من السيرافيم – هما جزءٌ أساسيّ من البيت المسيحيّ الأرثوذكسيّ. أيقونة المسيح المُختارة عادةً للصلاة في البيت هي أيقونة المسيح الضابط الكلّ (المصوّرة من أعلى الخصر).

مَن يملك مكانًا أكثر في البيت قد يضيف إلى زاوية الأيقونات، أيقونات لقدّيسين مكرّمين عديدين. للشعب الأرثوذكسيّ في روسيا تقليد في تكريم خاصّ للقدّيس نيقولاوس الصانع العجائب. تقريبًا في كلّ بيتٍ أرثوذكسيّ أيقونة له. أيقونات القدّيس نيقولاوس الصانع العجائب والمخلّص ووالدة الإله، احتلّت دائمًا مكانًا مركزيًّا في البيوت المسيحيّة الأرثوذكسيّة. الشعب يكرّم القدّيس نيقولاوس كقدّيس مُعطى له نعمة خاصّة. هذا يعود بشكلٍ كبير إلى أنّ كلّ خميس – بحسب تيبيكون الكنيسة – مُخصّص، بالإضافة لرفع الصلاة للرسل القدّيسين، للقدّيس نيقولاوس الصانع العجائب أسقف ميرا في ليكيا.

من بين أنبياء الله القدّيسين، أيقونة النبيّ الياس لها مكانٌ بارز عند المؤمنين. وبين الرسل القدّيسين، تبرز أيقونات القدّيسَين بطرس وبولس هامتي الرسل. من بين شهداء الإيمان المسيحيّ، أكثر ما نصادف أيقونات القدّيس العظيم في الشهداء جاورجيوس اللابس الظفر والقدّيس الشهيد العظيم بندليمون الشافي. يُنصح أيضًا بوضع أيقونات للإنجيليّين القدّيسين، وللقدّيس يوحنّا المعمدان، ولرئيسَي الملائكة القدّيسَين جبرائيل وميخائيل، وأيقونات الأعياد، لزاوية أيقونات كاملة في البيت.

اختيارنا الأيقونات لبيتنا هو دائمًا أمر شخصيّ. أفضل مَن يساعدنا في هذا الإختيار هو الكاهن – الأب الروحيّ للعائلة – ومنه، أو من كاهنٍ آخر يجب أن نطلب النصح.

أمّا بالنسبة لنسخ الأيقونات والصوَر الفوتوغرافيّة (للأيقونات)، فأحيانًا من المنطقيّ أكثر إمتلاك نسخة جيّدة من أيقونة، من امتلاك أيقونة مرسومة ذات نوعيّة سيّئة.

يجب أن يحافظ كاتب الأيقونات على موقف متطلّب في عمله. تمامًا كما الكاهن لا يخدم الليتورجيا دون التحضير الواجب، كاتب الأيقونات يقارب خدمته بوعيٍ كامل لمسؤوليّته. للأسف، في الماضي واليوم، نرى أمثلة بشعة عن صُوَر لا تشبه الأيقونات. هكذا، إذا كان تصويرًا معيّنًا لا يستدعي إحساسًا بالتقوى وحضور القداسة، أو إذا كان مشكوكًا فيه لاهوتيًّا أو أداءه التقنيّ ليس احترافيًّا، يكون من الأفضل عدم شراء هذه الأيقونة.

لكن تستطيع نسخًا للأيقونات القانونيّة، ملصقة على سند قويّ ومكرّسة في الكنيسة، أن تحتلّ مكانًا شريفًا في الأيقونسطاس البيتيّ.

كيف وبأي ترتيب يجب أن نرتّب الأيقونات؟ هل هناك قواعد صارمة بهذا الشأن؟

في الكنيسة نعم. أمّا بالنسبة لزاوية الصلاة في البيت، نقتصر الكلام في بعض القواعد الرئيسيّة.

مثلًا، مجموعة أيقونات موضوعة من دون تجانس، من دون ترتيب، تستدعي إحساسًا مستمرًّا بعدم الرضى والرغبة في تغيير كلّ شيء – ما يشتّت غالبًا عن الصلاة.

كما هو ضروريّ أن نذكّر بمبدأ التراتبيّة: مثلًا، لا نضع أيقونة لقدّيس مكرّم محّلّيًّا فوق أيقونة للثالوث القدّوس، أو المخلّص، أو والدة الإله، أو الرسل. ومثلما على أيقونسطاس كلاسيكيّ، أيقونة المخلّص يجب أن تكون عن اليمين، وأيقونة والدة الإله عن اليسار.

ماذا يجب أن يكون موقفنا تجاه الأشياء المقدّسة؟

كما أنّ القداسة هي أحد صفات الله (إشعياء 6: 3)، فهي أيضًا تنعكس في قدّيسي الله وفي الأشياء المادّيّة. لذلك، تكريم القدّيسين، والأيقونات والأشياء المقدّسة، كما السعي الشخصيّ للشركة الحقيقيّة مع الله، هي تجلّيات لأمر واحد.

“وتكونون لي قدّيسين لأنّي قدّوس أنا الربّ” (لاويّين 20: 26).

الأيقونات في العائلة كانَت تُحفَظ دائمًا بتكريم خاصّ. بعد المعموديّة، يضعون الطفل مقابل أيقونة، والكاهن أو ربّ البيت يقرأ صلوات. الأهل يباركون ولدهم بأيقونة لمتابعة دراسته، أو حين يذهب في رحلات بعيدة، أو ينخرط في الخدمة العامة (كالجيش مثلاً). وكعلامة لقبول الأهل بالعرس، كانوا يباركون للعرسان بأيقونات. وأيضًا، مغادرة شخص لهذه الحياة يحصل في وجود أيقونات.

من غير اللائق الدخول في مجادلات أو القيام بتصرّف غير محترَم أمام صوَر القدّيسين. يجب أنّ نرسّخ احترامًا لائقًا للصور المقدّسة في الأطفال منذ الصِغَر.

ماذا يجب أن نعمل إذا صارت أيقونة في حالة غير قابلة للإستعمال ولا يمكن إعادة ترميمها؟

لا يمكننا، تحت أي ظرف، أن نرمي أيقونة ببساطة، حتّى لو لم يتمّ تكريسها. الشيء المقدّس، ولو فقد شكله الأصليّ، يجب أن يعامَل دائمًا باحترام.

إذا كانت حالة الأيقونة قد تراجعت مع العمر، يجب أن تُؤخذ إلى الكنيسة للحرق في محرقة الكنيسة. إذا كان هذا مستحيلًا، نحرق الأيقونة بأنفسنا ونطمر الرماد في مكان لن يُلوّث أو يُعكَّر، مثلًا في مقبرة أو تحت شجرة في الحديقة.

الوجوه التي تُقبل علينا من الأيقونة تنتمي إلى الأبديّة. فلنرفَع صلواتَنا إليهم، ناظرين نحوهم، طالبين شفاعاتهم. نحن، الساكنين في العالم الأرضيّ، لا يجب أن ننسى أبدًا نداء مخلّصنا الأبديّ للتوبة، والكمال، وتألّه كلّ نفس بشريّة.

Leave a comment