عناية الله

عناية الله

عن اليرونديكون الصغير

تعريب الأرشمندريت أفرام كرياكوس


يقع دير القدّيس ثيوذوسيوس في أعماق برّية اليهوديّة في فلسطين. كان القدّيس قد أنشأه في القرن الخامس. ومع مرور الزمن أصبح أكبر، وتكاثر عدد الرهبان فيه. كانوا يهتموّن بمأوى للمسنّين ومشاغل مختلفة ومأوى لليتامى وآخر للفقراء. كلّها موجودة ضمن أراضي الدير.

إلاّ أنه عند إنشاء هذا الدير الشركوي cenobion كان فقيراً جداً. وكانت مشاكل عديدة تواجه الرهبان. مراراً كثيرة لم يكن لديهم ولا حتى أبسط الحاجات الضروريّة لمعيشتهم.

إلاّ أن إيمانهم بالله ودعاء القدّيس ثيوذوسيوس شيخهم الروحي وصلواته، كانت تساعدهم دائماً وتخرجهم من الأوقات الصعبة الحرجة.

في أحد الأيام في السبت العظيم، تيقّن الآباء الرهبان من حدوث أمر مؤسف. لم يجدوا في الدير أية تعزية ولا حتى قربانة من أجل القداس الإلهي. بحثوا وفتّشوا إلاّ أنهم لم يجدوا شيئاً. مرّ الوقت ودنت اللحظة العظيمة لعيد القيامة. كانوا متأكدين من عدم الأكل في ذلك المساء الاحتفالي البهيّ… أما الأمر الذي لم بكونوا قادرين على احتماله فهو بقاؤهم من دون قدّاس ومناولة. عبثاً عادوا وبحثوا عن زجاجة نبيذ منسيّة في مكان ما أو قطعة خبز هنا أو هناك ولم يجدوا شيئاً. تفكّروا بحالهم وبحرمانهم الذي هم فيه وذهبوا إلى شيخهم القدّيس ثيوذوسيوس وأخبروه عن وضعهم الصعب وحزنهم. استمع إليهم الشيخ بهدوء وسكينة ولم يضطرب إطلاقاً لما قالوا.

– “هكذا هي الأمور أيها الشيخ”، قال أخيراً أحد الرهبان. فأجاب القدّيس البار ثيوذوسيوس الذي كان صامتاً حتى الآن.

– “إذهبوا يا أولادي واهتموا بأن يكون كلّ شيء جاهزاً للقداّس الليلي. وجهّزوا أنتم أنفسكم أيضاً وسنتقابل قريباً عند المساء”.

– “تعزية باطلة” تمتم هامساً أحد الرهبان. فسمعه الشيخ وقال:

“هل أصبح الله يا أولادي ضعيفاً في قدرته؟ ألعلّه لا يستطيع أن ينعم علينا اليوم أيضاً، ذاك الذي أطعم الشعب الإسرائيلي من المن في البرية؟ أم لعله لم يعد قادراً على صنع العجائب ذاك الذي أشبع الجمعَ الذي كان يتبعه من خمس خبزات وسمكتين؟”

تعجّب الرهبان من أقوال القدّيس وأكثر ما تعجّبوا منه هو إيمانه وقناعته أن كلّ الأمور ستسير بحسب التمنيّ والرجاء.

أخذوا يغادرون قلاّية الشيخ عندما سمعوه يقول: “جهّزوا ليس فقط الهيكل المقدس بل والمائدة الفصحية وستعلمون أيها الآباء أن ذاك الذي يهتم بطيور السماء سيهتم بنا أيضاً”.

غادر الآباء الرهبان صامتين. لقد كانت أقوال الشيخ تعزية فعلية لحزنهم ولخيبة أملهم. كانوا يشعرون في أعماقهم أن الشيخ قال لهم هذه الأقوال فقط لمجرّد تلطيف انزعاجهم واضطرابهم. كانوا شبه متأكدين أنهم لا يستطيعون الاحتفال بعيد الفصح.

غربت الشمس وسُمعت طرقات على البوابة. ارتبك الآباء وانذهلوا. مَن يمكن أن يكون هذا الآتي في هذه الساعة وفي هذا اليوم؟ فتحوا بوابة الدير الرئيسيّة فصادفوا أحد الغرباء وكان برفقته جملان محمّلان بالأغراض.

– “باركوا أيها الآباء”، قال الرجل المجهول.

– “الربّ يباركك”، أجاب الرهبان.

– “أعذروني لأني أقلقتكم في مثل هذه الساعة. إلاّ أنه يحصل أمر غريب لا أستطيع تفسيره”، قال هذا الغريب وتابع، “عندي نذر في هذا اليوم من كل عام أن آخذ تعزيات لأحد الأساقيط هنا قريباً منكم. وأنا معتاد أيضاً أن أقيم حتى القدّاس الفصحي الليلي ثم أعود في اليوم التالي. وهذا ما كنت عازماً عليه هذا العام أيضاً. إلاّ أني حالما وصلت إلى هنا إلى قرب ديركم، توقف الجملان اللذان معي عن المسير بطريقة غريبة. ركعا هناك ولم يكن من الممكن أن أنهضهما وأن أجبرهما على متابعة المسير. لم يستجيبا بأية طريقة كانت. حينها فكّرت أخيراً ربّما هي مشيئة الله أن تبقى هذه الأغراض التي معي هنا. لذلك قرعت الباب عليكم بنيّة ترك هذه الأغراض والتعزياتعندكم. ووجدت أن الجملان نهضا في الحال ودنيا إلى مدخل الدير”.

لقد كانت بالفعل مشيئة الله. فقد رتّبت عنايته الأمور واهتمّت باحتياجات الدير. لم تغطي الأطعمة التي أتى بها ذاك الغريب المائدة الاحتفالية للفصح فقط، بل حتى عيد العنصرة وبعده. وأيضاً لم يفتقر الدير للقرابين من أجل القدّاس الإلهي خلال كل هذه الأيام.

تعجب الرهبان من إيمان شيخهم بالله. ومنذ ذلك اليوم صاروا يجلّون ويقدّرون القدّيس ثيوذوسيوس أكثر. واحتلّ الرجاء بالله مكانة خاصة مميزة في حياتهم.


Leave a comment