خلاص غير الأرثوذكس

خلاص غير الأرثوذكس

الأب يوحنّا كوستوف

نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي

هناك أناس يتساءلون: “حسناً، نحن المسيحيون لدينا إيماننا، الإيمان الحقيقي، ولدينا كنيستنا، وإعلاننا الإلهي، ونحن نسير في الطريق التي تؤدّي إلى الخلاص، وإلى ملكوت السماوات، طبعاً إذا كنّا يقظين في حياتنا كما ينبغي. لكن ماذا عن الناس الآخرين من الأديان الأخرى؟ ماذا ينتظر البوذيين والمسلمين؟ أو حتى غير الأرثوذكس من المسيحيين؟ لكن لنتطرّق الآن إلى موضوع الأديان الأخرى: ألا يذهب معتنقوها إلى السماء، أي حكم يخبّئ الله لهم؟ هل نحن الوحيدون الذين سوف يُحاكَمون وعليه إمّا “نُرفَع” أو “نُرمى”؟ ماذا ينتظر الآخرين؟ أليس عندهم خلاص؟ الجواب هو: بالتأكيد خلاصهم ممكن. إن الوضع هو كالتالي: مَن تعرَّف إلى المسيحية واعتمد سوف يُحاكَم بحسب ناموس الإنجيل، ناموس النعمة. لكن مَن عاش حيث لم يُبَشَّر بالإنجيل، كمدغشقر وسومطرة وبروناي، والقطب الجنوبي، فبحسب ما أعلن الرسول بولس في رسالته إلى أهل روما، سوف يُدان على أساس ناموس ضميره: “لأَنَّهُ الأُمَمُ الَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمُ النَّامُوسُ، مَتَى فَعَلُوا بِالطَّبِيعَةِ مَا هُوَ فِي النَّامُوسِ، فَهؤُلاَءِ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ النَّامُوسُ هُمْ نَامُوسٌ لأَنْفُسِهِمِ، الَّذِينَ يُظْهِرُونَ عَمَلَ النَّامُوسِ مَكْتُوبًا فِي قُلُوبِهِمْ، شَاهِدًا أَيْضًا ضَمِيرُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ فِيمَا بَيْنَهَا مُشْتَكِيَةً أَوْ مُحْتَجَّةً” (روما 14:2-15).

لقد وضع الله في داخل كل إنسان، من دون استثناء، وحيثما وُجد على الأرض، تلك المحكمة العادلة، أي قانون الأخلاق الداخلي، الذي على أساسه يُحاكَم الناس. إذا عاشوا مخلصين لتلك القواعد الأخلاقية الفطرية، سوف يدخلون الملكوت وإلا فلن يستحقوا ذلك. بالتأكيد، بحسب ما يرد في الرسالة الأولى إلى الكورنثيين (41:15) بأنّ ” نَجْماً يَمْتَازُ عَنْ نَجْمٍ فِي الْمَجْدِ”، سوف يكون هناك تدرّج في الملكوت، كما سوف يكون في الجحيم. شعوب المعتقدات الأخرى، بسبب أعمالهم الحسنة في حياتهم، يدخلون الملكوت لكنّهم لا يتمتّعون بما يتمتّع به القديسون، كمثل الرسول بولس أو القديس مكاريوس.

قد يفتكر البعض: “أليس هذا مجحفاً بحق هؤلاء الشعوب؟” لا ليس مجحفاً، لأنّ مُحاكمتهم سوف تكون بتساهل أكبر. المسيحية صارمة جداً بما فيها من القوانين. يمكن هنا أن نستطرد فنورِد كثرة المسيحيين كدليل على حقيقة المسيحية. عندما يسعى المرء إلى اجتذاب الأتباع، لا يظهِر الأوجه السلبية بل على عكس ذلك، يُبَشَّر الأتباع المحتَمَلين بكل أنواع المكاسب ووسائل الراحة، يُتَملَّقون ويُدَلّلون. في المسيحية، شدّد المسيح لتلاميذه على أنّ “فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ” (يوحنا 33:16)، و”إِنْ كَانُوا قَدِ اضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ” (يوحنا 20:15)، وغيرها الكثير من هذه الوعود التي هي بالكلية معيقة لاجتذاب الأتباع. بينما، عندما تعِد المسيحية بهذه الظروف الصعبة فيما هي تجتذب الناس، فهذا يعني أنّها تظهِر الحقيقة. في العودة إلى موضوعنا، ليس المسيحي “محظوظاً”، إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ المسيح يطلب الكثير من المسيحيين. فهم سوف يذهبون إلى مكان أدنى من حيث يذهب غيرهم، إذا لم يلتزموا بما يطلبه المسيح منهم. لن يُحاكّم غير المسيحيين بحسب الإنجيل بطريقة أكثر ليناً.

لاحظوا الفرق هنا: الإنسان الذي سوف يُحاسَب بحسب قانون الأخلاق الداخلي، سوف يكون مسئولاً أمام الله، على سبيل المثال، عن أعمال الزنا التي ارتكبها فعلياً. أمّا المسيحي فسوف يُحاسَب بشكل أكثر صرامة: حتّى على نظرة شهوانية واحدة. سوف يُحاكَم في “أقواله، وأعماله وأفكاره”. مكاسب المسيحي أكثر، لكن المعايير أكثر قساوة وطريقه أكثر صعوبة. كل شيء بعدل لأن الله عادل بشكل لا يُقارَن. كما قال الأب باييسيوس الأثوسي: “لا يوجد عند الله قياسان متشابهان. فهو يزين كل إنسان بميزان مختلف”. هذا يتوقّف على مكان ولادة الإنسان والجو الذي تربّى فيه ونوعية أهله ومدرسته وبلده ودينه وخصوصيات كل واحد على حدة. الله لا يرتكب الأخطاء.

يقول أستاذ العقائد الراحل خريستوس أندروتسوس أنّ الأرثوذكسية هي الطريق الوحيد إلى الخلاص. ليست الأرثوذكسية الطريق إلى الخلاص، بل الطريق الوحيد الأكيد الآمِن. يشرح الأب يوئيل ياناكوبولوس هذا الكلام بتقديم مثال مفعم بالحيوية: الأرثوذكسية هي الطريق التي استعملتها القافلة المدرّعة. بالطبع هناك طرق أخرى للانتقال بين مدينتين لكن ليست كلّها طرقاً آمنة. هكذا بالضبط هي المسألة بين الكنيسة الأرثوذكسية وغير الأرثوذكسيين أو غير المسيحيين. مع هذا، ينبغي التشديد على أنّه حتى ولو اعتمد الإنسان في الكنيسة الأرثوذكسية ومن ثمّ صار هرطوقياً، أو حتى ما هو أسوأ أي كافراً أو ملحداً، فهو لا يخلُص مهما عمل من الأعمال الصالحة. هناك فرق واضح المعالِم بين أن لا يعرف الإنسان المسيح، لكونه بوذياً أو مسلماً أو غيره، وبين أن ينكر المسيح ليعترف بغيره.

هذا هو موضوع خلاص غير الأرثوذكسيين. الأمر الأهمّ هو خلاصنا. في يوحنا 21:21، عندما رأى بطرس يوحنا الإنجيلي وراء المسيح سأل “ماذا عنه؟” أي بكلام آخر “ماذا ينتظره”. هذا سؤال يظهر حنو بطرس، إنه إظهار لاهتمامه بيوحنا. نحن، في مطلق الأحوال، نأخذ هذه الجملة ونستعملها بشكل معرفي ليس إلاّ، أي نتساءل “ماذا ينتظر غير الأرثوذكسيين وغير المسيحيين؟” من دون أن نهتمّ بخلاصنا. لهذا، الأمر الأساسي الواجب هو الاهتمام بخلاص نفوسنا، وفي الوقت عينه الاهتمام بخلاص الآخرين الذين انضمّوا إلى الكنيسة الأرثوذكسية، وليس الاكتفاء بالتساؤل في عقلنا عمّا ينتظرهم.

Leave a comment