التعليم الديني

التعليم الديني

الأب أنطوان ملكي

في مجتمعنا أربعة مصادر للتربية الدينية عند الأولاد: البيت والكنيسة والمدرسة ووسائل الإعلام. تقع على البيت المسؤولية الكبرى لكونه هو مَن يحدد مدى تأثير الكنيسة على الأولاد وهو مَن يختار المدرسة ويحدد المقبول والمرفوض من وسائل الإعلام. أمّا وسائل الإعلام فهي تحمل روح هذا الدهر الذي إما يقوم ضد الدين، أو يحمل الدين مشوَّهاً، كأن يصير عيد الميلاد عيد البابا نويل، وعيد الفصح عيد البيض وغيره، إضافةً إلى كثافة فكر العصر الجديد (New Age) حيث يصعب إيجاد شبكة أو محطة لا تبثّ برامج السحر والشعوذة وأفلام الخرافات التي لا تزرع في فكر الأولاد إلا الوهم والخيال السلبي، حتّى لا نذكر الخوف والرعب والكوابيس. هذه الخرافات، وإن لم تكن تعليماً دينياً إنّما تحمل إشارات متى ربطها الولد بما يتعلّم عن الإيمان، يتشوّه الإيمان نتيجة اختلاطه بهذه الأفكار الخبيثة. فهذا الفكر يجعل الولد أكثر تقبّلاً للتنجيم والسحر والاعتقاد بالقوى الخارقة، ما يسهّل عليه الاتّكال عليها، وهذا ما يتنافى مع الإيمان الصحيح. وما يجعل الأمر أكثر خطورة أنّ هذا التوجّه يتخطّى وسائل الإعلام والاتّصال إلى الكتب المدرسية. فكتب أدب الأطفال مثقلة بقصص الجنيّات والخرافات. وأسوأ ما في هذه القصص أنّها توحي إلى الأولاد بوجود جنيّات صالحة ما يجعلهم أكثر تقبلاً، لا بل أكثر تشوقاً، إلى هذه الجنيات. وهنا يأتي دور المصدر الثالث للتربية الدينية الذي هو المدرسة. فالمدرسة، سواء قدّمت تعليماً دينياً أو لم تقدّم، تؤثّر على تربية الأولاد دينياً وإيمانياً. وهنا يأتي دور الأهل في اختيار في أيّ مدرسة يريدون أولادهم، وأي منهاج إيماني يريدون لأولادهم.

فالمدرسة التي تقدّم تعليماً دينياً لا بدّ أن تقدّم ما تؤمن به إدارتها. من هنا، طبيعي ألا تقدّم المدارس التي لا تنتمي إلى كنيستنا تعليماً متطابقاً مع إيماننا بشكل كامل. يبقى أنّ مدارسنا تقدّم إيماننا بشكل مباشَر أو غير مباشَر. فالتعليم الديني غير المباشر يتلقّاه أولادنا في كلّ لحظة. كلّ ما تقوم به المدرسة له تأثير على تشكّل موقف الأولاد الإيماني: طريقة معاملتهم، عدم التهاون مع قلّة الأخلاق، منطق الإدارة والمعلّمين، ثياب العاملين في المدرسة، نوعية النشاطات التي تنظّمها، ومحتوى التعليم بحد ذاته. فكتب العلوم والتاريخ والأدب تجمل تعليماً دينياً غير مباشر، على المدرسة أن تعرف ما تختار منه. أمّا بالنسبة للتعليم الديني المباشر، فهناك عدد من الأسئلة التي من المفيد طرحها حول جدوى القداس الأسبوعي في المدرسة للإجابة على ما يدور في فكر التلاميذ؟ ما جدوى تحويل ساعة التعليم الديني إلى ساعة ترتيل؟ أيّ كتاب نستعمل في التعليم الديني وأيّ لجان تربوية ومنسقين يسهرون على اختيار هذا الكتاب؟ لماذا تُعطى سائر ساعات الدوام أهمية، فيتمّ اختيار أفضل الكتب والمعلمين ذوي الاختصاص، فيما ساعة التعليم الديني لا تخضع للتقييم ونعطيها لمَن نحتاج إلى إكمال دوامه؟ أغلب الأولاد في المدرسة لا يناقشون إيمانهم مع أهلهم، أو يأتون من رعايا ليس فيها تعليم ديني ولا حركة الشبيبة الأرثوذكسية، مَن يعطيهم الفرصة لطرح أسئلتهم إن لم تفعل المدرسة؟ أليس الصف، بالنسبة للمراهقين خاصةً، المكان الذي يحبّون أن يناقشوا فيه همومهم؟ أليس الصف مكاناً ملائماً لتفتح الكنيسة حواراً مع مراهقيها؟
من الضروري أن يُعطى الوجه البشاري للمدرسة حقّه فلا يُستَثنى أيّ صف من ساعة يُتاح خلالها للأولاد الاحتكاك مع آباء روحيين ومعلّمين مؤمنين مختَبَرين دارسين. فساعة التعليم الديني، وإن يكن منهاج الدولة لا يلحظها مباشرة، ينبغي أن تكون ثابتة في منهاج مدارسنا، وأن تُعطى حقّها، وإلا ما الفرق بين مدارسنا وغيرها من المدارس؟ وهنا دور الكنيسة التي هي المصدر الأول للتعليم، من خلال حياتها برعاياها ومؤسساتها وحركتها. فالبيت ينقل تعليم كنيسته التي تحضنه وترعاه وتؤمّن له المدرسة التي تكمّل عمله. هذا ما يُرجى، وهذا ما يكون، إن صمدَت المدرسة في وجه فكر هذا الدهر ووعَت مسؤوليتها نحو الكنيسة ونحو التلاميذ. أن تُدار المدارس كمصالح وشركات ليس مسيحياً، وأن تكون الأخلاق وحدها مقياس اختيار القيّمين، من إداريين ومعلّمين، لا يكفي. فالشفافية والتهذيب والصدق ليست قيمة إضافية بل هي أبسط ما يُطلَب ممن يمثّل الكنيسة. لا ينبغي أن يغيب همّ البشارة من أمام أعين كل العاملين في مدرسة الكنيسة. وهنا نعود إلى دور البيت في عملية التعليم الإيماني. فالأهل، متى اختاروا لأولادهم مدرسة الكنيسة، عليهم أن يتعاملوا كشركاء ومسؤولين لا كزبائن، وأن ينفتحوا على الإدارة وينقلوا إليها ما يعانون أو يتساءلون، وعلى الإدارة أن تستمع وتقبل وتتعاون على التغيير. على الأهل أن يفهموا أن كل إنسان وكل مؤسسة معرّضون للخطأ، ومتى وقع الخطأ لا يكفي التململ بل ضروري التحرّك لإصلاح ما يمكن إصلاحه والحد من انتشار الخطأ، سواء بالحوار مع الإدارة أو بنقل معاناتهم إلى المطران وهو المدير الأعلى لكل المدارس.ش

Leave a comment