الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام
فيليب فضول
تحتفل الكنيسة المقدسة بتذكار دخول السيد يسوع المسيح إلى الهيكل في الثاني من شهر شباط. وتحتفل في اليوم التالي بتذكار الكاهن والشيخ الوقور سمعان الذي حمل على يديه الطفل يسوع لما جاءت به أمه مريم البتول إلى الهيكل بعد أربعين يوماً من وضعها إياه لتتم مراسيم الشريعة. وقد أشار لوقا الانجيلي إلى هذا الرجل البار قائلاً: “… وإذا برجل اسمه سمعان كان في اورشليم. وهذا كان رجلاً مستقيماً تقياً ينتظر تعزية اسرائيل وكان روح القدس عليه، وكان قد أوحي إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت حتى يشاهد المسيح الرب .فأقبل بالروح إلى الهيكل. ولما أدخل الطفل يسوع أبواه ليقضيا عنه على مقتضى الناموس، أخذه على ذراعيه وبارك الله..” (لوقا2: 25-28 ).
يتبيّن لنا من خلال هذه الكلمات أن قدوم المسيح المخلّص كان منتظَراً بفارغ الصبر. أن الله اختار هذا الكاهن الورع ليحمل ”كلمته المتجسد لا بالوهم ولا بالخيال بل بالحقيقة” كما سبق واختار من بين النساء مريم العذراء لتكون أمّاً بالجسد لابنه الوحيد الذي هو من جوهره الإلهي.
لم يُتَح للأنبياء والرسل أن يعاينوا المخلّص ويُسَرّوا به على حد قول السيد المسيح: “الحقّ أقول لكم أن كثيراً من الأنبياء والصدّيقين تمنّوا أن يروا ما أنتم ترون فلم يروا. وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون فلم يسمعوا” (متى 13:13-17).
أما سمعان الشيخ فإنه سُرَّ إذ رأى بأمّ العين الطفلَ الإلهي. وكان متأكداً أنه هو الموعود به لأنه أوحي إليه بالروح القدس أن يأتي إلى الهيكل ليستقبل الطفل المبارك. ولما حمله على يديه الطاهرتين شعر بغبطة فائقة الوصف. وكان نصيبه كهؤلاء الذين شاهدوا السيد فغبّطهم قائلاً:”أما أنتم فطوبى لعيونكم لأنها تبصر ولآذانكم لأنها تسمع” ( متى 16:13).
مدّ الشيخ ذراعيه ليحمل عليهما ”المعزي” وكأن العالم أجمع اشترك معه في ذلك.
ضمّه إلى صدره فشعِر بلاهوته. وحينئذٍ اطمأن أن الله افتقد خليقته وتمّم وعده الصادق فأرسل ابنه معزياً للبشرية.
ولما لم يعد هذا الشيخ ينتظر فرحة تضاهي هذه الفرحة، وكان الله قد وعده بأن لا يريه الموت قبل أن يرى المخلّص، فبعد أن نال غبطة مشاهدة “المعزي” طلب من الله عتقه من هذه الحياة بقوله:” الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام، لان عينيّ قد ابصرتا خلاصك الذي اعددته قدام وجه جميع الشعوب. نور إعلان للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل” ( لوقا 2: 29-32).
وأراد الله أن يزيد قيمة هذا الشيخ الجليل فجعله يتنبأ بمصير هذا الطفل القدوس وبحال مريم البتول.
وهكذا نراه يوجه الكلام إلى مريم قائلاً: “ها إن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة تقاوم. وأنتِ أيضاً يجوز في نفسك سيف. لتعلن افكار من قلوب كثيرة” (لوقا2: 34-35).
وما تفوّه به هذا الكاهن قد تمّ فيما بعد. فقد تألّم المسيح وأهانه الأشرار من اليهود وصلبوه، غير أنه قام من بين الأموات منتصراً. ومَن اتّبع تعاليمه السماوية نال المواعيد الإلهية. ومَن قاومها ولم يعمل بها هلك وكان هلاكه بحقٍ كما قال السيد المسيح نفسه: “لو لم آتِ وأكلّمهم لم تكن لهم خطيئة والآن فليس لهم تعلل في خطيئتهم” (يوحنا 22:15).قاومها ولم يعمل بها هلك وكان هلاكه بحقٍ كما قال السيد المسيح نفسه: “لو لم آتِ وأكلّمهم لم تكن لهم خطيئة والآن فليس لهم تعلل في خطيئتهم” (يوحنا 22:15).
ولا شك أن مريم أم يسوع التي شاهدت ابنها الوحيد يهدَد بالقتل من اليهود ثم رأته معلقاً على الصليب تألمت كثيراً في حين أنها كانت تتوقع المجد والاكرام لابنها الطاهر.
فسمعان الشيخ كان كاهناً ونبياً معاً. وقد ناب عن البشر في اتحاده مع الله لما حمل الطفل الإلهي على ذراعيه.
إن هذا العيد الذي نسميه “دخول السيد إلى الهيكل” يدعى أيضاً “عيد الالتقاء” هكذا كما ورد في السواعي باللغة اليونانية والروسية والرومانية.. لأن أهمية هذه الحادثة هي أن الله التقى مع خليقته. أو بعبارة أخرى” اتحد الإله مع البشر” كما ورد في الترنيمة ”إن الذي يخدمه العلْويون برعدة، لما تقبّله الآن سمعان في الأسفل بساعدين هيوليين، كرز باتحاد الإله مع البشر، ولما رأى الإله السماوي بشراً، انفصل عن الأرضيات وهتف بفرحٍ قائلاً: يا من كشفت للذين في الظلام النور الذي لا يعروه غروب، يا رب المجد لك”.
إن الكنيسة المسيحية التي تستمد قوتها وتدبير أمورها من الله بنعمة ربّنا يسوع المسيح وإلهام الروح القدس، ذكرت مريم العذراء وسمعان الشيخ في ترتيلة يلذ سماعها للمؤمنين وهي: “افرحي يا والدة الإله العذراء الممتلئة نعمة، لأنه منك أشرق شمس العدل، المسيح إلهنا منيراً الذين في الظلام. سرَّ وابتهج أنت أيها الشيخ الصديق حاملاً على ذراعيك المعتق نفوسنا والمانح إيانا القيامة”.